إبداعات

في العاصمة

قصة- د.سميرة شرف:

اليوم هو الثامن بعد زفافها .. تستعد للسفر معه للعاصمة .. وقفت أمام خزانة ملابسها تتخير أي الثياب أجمل ليكون أول ماتلبس عند خروجها .. راحت تتزين أمام المرآة وتدقق جيدًا حتى في أبسط أمور أناقتها .. سألت نفسها : يا ترى ماهو انطباع جيرانها الجدد عندما يرونها لأول مرة؟ وهل ستبدو أمامهم امرأة أنيقة أم سيكتشفون أنها ريفية وأن تعليمها الجامعي لم يؤثر علي مظهرها .. انتابها حيرة حتى أفاقت علي صوته :

_  القطر حيفوتنا ياعروسة .

هرولت مسرعة بعد أن ألقت  نظرة أخيرة علي منزلها الجديد الذي لم تقطن به إلا أسبوعًا واحدًا .. انطلقت معه للمحطة وفي القطار راحت تودع كلَّ مناظر الحقول التي كثيرًا ما ملأت نفسها بالأمل والحب للحياة , فهذه أول مرة تخطو إلي العاصمة ؛ فقد كان تعليمها الجامعي في عاصمة المحافظة .. فجاءة انتبهت علي صوته :

_ خلي بالك الشقة سكن عزوبية وعفشها بسيط .

_ ما فيش مشكلة بكرة نجيب كل اللي محتاجينه فيها وممكن ننقل جزء من عفش بيت البلد.                  

_ لا .. خلي بيت البلد بقيمته .

   سرحت بخياليها .. تذكرت يوم جاء لخطبتها .. فلم يكن أول من تقدم لها .. فقد سبقه معاون الجمعية الزراعية ومدرس الحساب في المدرسة الابتدائى ورُفضا لفارق التعليم .. مر بخاطرها أول من دق له قلبها .. وكيف رفضه أبوها لأنه نجار ولم يأخذ حتى دبلومًا .. شعرت بدقة شاردة في قلبها تنهدت .. تحولت برأسها نحوه وسألته :

 _ هو احنا حنسكن فين ؟

_ في الزمالك .

    ابتسمت ونظرت له بحنان ومودة ثم عادت تمعن النظر في الحقول فشرد عقلها مرة أخرى : لماذا وافق أبي عليه ولم يحصل إلا علي الإعدادية ؛ إنه المهر الكبير والبيت الملك والأثاث القيم لكن لماذا وافقت هي ؟ هل لأنه يحضر القرية دائمًا مرتديًا بنطال “جنيز” من أحدث الماركات أم لأنه لايدخن إلا السجائر المستوردة .. لا تعرف .. لا .. إنها تعرف ؛ لأنها ستعيش في العاصمة .. أدارت وجهها تجاهه مرة أخرى .

  _ هو أنا ممكن أشتغل ؟ ولا حتحبسني في البيت ؟

  _ لا طبعًا حسيبك تشتغلي وحأساعدك في الحصول علي شغل كمان .

       تهلل وجهها وشعرت أن الحياة تفتح ذراعيها وأن الطريق للمستقبل يضحك لها .. رجعت مرة أخرى تنظر للحقول لكن بلهفة من يريد أن يصل سريعًا .. ها قد وصل القطار .. استقلا سيارة أجرة خاصة .. وصلت .. البناية فخمة وأنيقة .. فرحت جدًا  .. لكن الشقة صغيرة جدًا في “البدروم” .. راحت تتفقد المكان لترى ما يحتاجه من تنظيف قبل أن تبدأ حياتها به , بينما هو راح يبدل ثيابه وارتدى جلبابًا قديمًا .

صرخت : فين هدومك الجديدة ؟!

   خرج مسرعًا تاركًا باب الشقة مفتوحًا بينما هناك صوتٌ ينادي عليه ليتأكد من عودته ..

   تبعته مسرعة لتعرف ماذا هناك ؟ سمعت الصوت يقول : أطلع بسرعة خد كشف الطلبات والفلوس وكمان وأنت راجع حتفوت علي الصيدلية تصرف “روشتة ” …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى