إبداعات

مبروك جالك ولد

بقلم- دكتور صالح الشحري:

القرن الأول بعد بياتريس: هل تعلم أن الحضارة الفرعونية كانت تعطي لحشرة الجعرانة قداسة خاصة؟ و أن هناك نوعا من الفول العجيب يمكن متعاطيه من الاستمتاع بعلاقات التزاوج و إضافة لذلك فإنه يمكن آكله من إنجاب الذكور فقط.

الصحفية التي تزوجت من عالم حشرات تعجبت من هذه الظاهرة و حاولت في الهند أن تتأكد من ولادة الذكور فقط الطاغية في إحدى مستشفيات الهند.

تقابل بالاستياء و الصدود. تعاظمت في رأسها الشكوك و حاولت أن تقوم بحملة صحفية لتتبين هذا الأمر المثير للشبهة فقوبلت بالصد و التوبيخ.

و هكذا انتقلت من صحيفة إلى أخري. و عليه تتحرك الأحداث ليتم الكشف عن مادة يتعاطاها أناس في الشمال الغني تقصر إنجابهم على الذكور دون الإناث.ينشأ مجتمع ذكوري غير مكتف بإناثه. يتصاعد الهوس الذكوري بالنساء و يترجم إلي حالات إغتصاب و عنف وسبي في جنوب العالم. أما في شمال العالم فقد نشأت منظمات تنقل الفتيات من الجنوب ليتم تبنيهن في الشمال تعويضا عن نقص النساء.

من هذه الفكرة في الإخلال بالتوازن ينسج أمين المعروف أحداث روايته : القرن الأول بعد بياتريس. تظهر الرواية أن الإنسان قد أشقي عالمه بتدميره التوازن البيئي والإنساني. و إخفاقه في تحقيق العدالة و خاصة بين الشمال و الجنوب.

كما تسلط الأضواء على حيرة إنسان الشمال المحظوظ بين القيم التي يؤمن بها ويطبقها بشكل انتقائي في بلاده  بينما يغمض العين عن إهدارها  في بلاد الجنوب حيث مستعمراته السابقة.

المعلوف لا شك يستثير إعجابك بقدرته على خلق أعمال روائية متميزة من موضوعات إنسانية عامة يصعب على غيره تناولها. و كمعظم رواياته فإن روايته هذه  تتميز بحس عالمي.

الرواية المكتوبة أصلا بالفرنسية يمكن لكل قارئ لها أن يشعر مهما كان بعده الجغرافي عن فرنسا أنها تجري قريبا منه و أنه كأب أو كابن، كذكر أو أنثي يمكن أن يكون بطلا في هذه الرواية.

تمنيت أن أعرف إذا ما كانت هذه الرواية قد حظيت بالجماهيرية في فرنسا. إذ لم يبد  لي أنها تمتعت بجماهيرية لافتة كباقي روايات المعلوف في بلادنا و إن كانت تستحق ذلك. عمل يجعلك تبكي مع الإنسان و تبكي عليه، تتوجع منه و تتوجع له.

كل ذلك لعله يذكر البشرية بأنها مرتبطة برباط إنساني المفروض أن يجمعها علي العدالة و الخير،لا على الاستبداد و الكراهية.

وفي النهاية، نجح الإستبداد و الكراهية أن يقسم كرتنا الأرضية قسمين إنفصلا، قسم فقد جاذبية الأرض وطار نحو الحرية متجاهلا أي واجب نحو القسم الآخر، بينما القسم الآخر يسقط و يغرق في هاوية الاستعباد و الاستغلال و الفقر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى