الأخبار الثقافيةمقالات

الكورونا و الصلاة فى الحرم المكى

بقلم- صالح الشحري:

اقتضت اجراءات الوقاية من الكورونا اتخاذ ترتيبات للصلاة و العمرة فى الحرم المكى، و لأول مرة منذ عشرين عاما اقضى فى العمر ساعتين تضمنتا صلاة فريضة العشاء فى رمضان بسلاسة لا مثيل لها ،بل لعلها كانت من أجمل ساعات حياتى.

و أسأل الله ان بكتب لى و لكم مثلها و ان يكتب لمن استطاع ان يصل الى هذه السُنٌة و يطبقها خير الثواب، المسألة ليست التعامل مع الكورونا، بل اتسعت لتشمل ترتيبات للعمرة و الصلاة كان البعض يتخيل استحالتها.

اليوم إذا اردت العمر لا بد من الحجز من خلال تطبيق على الشبكة العنكبوتية، تعطى عددا من الساعات يكفيك للطواف و السعى بسهولة، و تصلى الفريضة ان حضر وقت الصلاة و إذا انتهيت فإنك لا تجد الا ان تخرج من الحرم و تترك المكان لغيرك، أي لا تستطيع ان تجلس و تطيل الصلاة و تتلو أجزاء من القرآن، الترتيبات تقودك للخروج، و هي ترتيبات مثالية تعطى الفرصة لأكبر عدد من المسلمين، اذ انها تعطيك الفرصة بناء على عمرك و مناعتك، و تعطى الأولوية لمن كانت عمرته الماضية أبعد فى الزمن من غيره، وبالتالى تمنع تكرار العمرات لتعطى الفرصة لمن لم يعتمر من قبل، فيعتمر فى سكينة و راحة، لست بحاجة للتزاحم، تقبل على دعائك و صلاتك فى سكينة و يسر و تتصل بخالقك فى وداعة، تحمل حرارة الاشواق و ذل العبودية و عزة الإيمان الى خالقك، ثم تمضى.

ما يجري فى العمرة يجري فى ترتيب الصلوات، إذ تُعطى اذنا لعدد من الساعات يظهر فى برنامج توكلنا فى الهواتف الذكية، و لا يمكن الدخول بغيره، فإن أنتهى الوقت لا تستطيع الدخول ثانية و لو بقيت فأنت مخالف، إنها نعمة دلتنا عليها الكورونا، و لكل بلاء فائدة.

كما انها اظهرت قدرة إدارية فائقة لإدارة المسجد الحرام تقودك منذ تدخل مكة عبر بوابة محددة وتأخذ بيدك فى نظام حازم و يسر و سهولة، لم يعد صاحب العضلات يجبر أخاه على تفاديه خائفا، و لم يعد الحرم مكانا للنيام الذين كانوا يقدرون بالالاف، يمضون كل العشرة الأخيرة مفترشين أرض الحرم اخذين حقوق غيرهم بصلافة و بغير تقدير.

أما من يريد الاعتكاف فكل مساجد مكة متاحة وثواب الصلاة فيها يكاد يعدل ثواب الصلاة فى المسجد الحرام كما يقول الفقهاء، لقد اعادت ترتيبات للعمرة و الصلاة فى الحرم الينا الثقة فى قدرة المسلمين على التفوق في إدارة شئونهم.

ومن هنا، أتمنى أن تستمر هذه التنظيمات بعد الكورونا بعد تكييفها لاستيعاب إعداد اكبر من الناس، بحيث تقوم بإعطاء الناس فرصا متساوية لتجديد ايمانهم بالاقتراب من الكعبة و التظلل بافيائها، معظم الزحام يقع بسبب ان كل انسان يأتى لا يفكر فى غيره من المسلمين، فيكرر الطواف و العمرة و يقضى الايام فى الصلاة تلو الصلاة و هو نائم بين الصلوات فى الحرم ،و هؤلاء هم الذين يحرمون معظم اخوانهم المسلمين من التنعم مثلهم بالاقتراب من الله.

لنأخذ مثلا بصلاة التراويح، يعتنى بها الناس إلى حد يجعلها عند بعضهم أهم من الفروض، و هذا خلل فى الأولويات، تري الناس يتدافعون فى العشرة الأخيرة للبقاء فى الحرم لصلاة التراويح اول الليل و التهجد اخر الليل، و النوم او الحديث بينهما فى الحرم ،نعرف ان رسول الله لم يصل الا احدي عشرة ركعة ،و لكن الناس اعتادوا أن يصلوا عشرين ركعة منذ كانت الصلاة ايام العثمانيين تتكرر مع أربعة أئمة يمثل كل منهم أحد المذاهب أهل السنة .

و هذا الترتيب يحرم مسلمين كثيرين من الصلاة فى المسجد الحرام، فلو جعلنا الترتيب ان تُقسم الساعات بين العشاء و الفجر على أقسام كل منها ساعتان، وفى كل ساعتين يصلى إمام إحدى عشرة ركعة بحيث يكتمل القرآن فى نهاية الشهر، ثم يأتى إمام غيره، وهكذا كل ساعتين حتى صلاة الفجر، و من يدخل الصلاة يحصل على ساعتين عن طريق برامج الانترنت التى لا تتيح لغير الحاصلين على إذن الصلاة فى هاتين الساعتين، ولا تتيح له البقاء بعد انتهاء ساعتيه ،هنا نتيح المجال لعدد اكبر من المصلين لينهلوا من ينابيع الخير فى المسجد الحرام ،و لا ياخذون حق غيرهم،و كما يحدث اليوم فان برنامج توكلنا يعطى الفرصة لمن لم يأخذ فرصته من قبل الا إذا كان العدد المتاح لم يكتمل.

اظننا بهذه الترتيبات سنرتقى باسلوبنا فى ممارسة العبادة ،و سنعطى صورة أبهى عن المسلمين فى صفوفهم المرصوصة ،و جمالهم فى عبادتهم و تٱخيهم.

ادعو الله بالخير و الصلاح لأبناء البلد الحرام و مدينة الرسول و القدس مدينة الأنبياء، الذين يستضيفون اخوانهم.

واخيرًا، أدعو الله ان ييسر الحج و العمرة لكل من حُرم منها، و ان يصلح حال هذه البشرية ،و يخلصها من الكورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى