إبداعات

رؤية في رواية “صورة دوريان جراي”

ما رأيك يا دوريان في قول المسيح "ماذا يستفيد الإنسان لو خسر روحه وربح العالم أجمع"

بقلم- حسين الأمير، روائي سعودي:

رواية (صورة دوريان جراي) من تأليف الروائي والمؤلف المسرحي الإنجليزي أوسكار وايلد عام 1891م النسخة العربية الحالية من دار التنوير تعريب لويس عوض.

الرواية هي الوحيدة للمؤلف المسرحي وهي رواية فلسفية وتعتبر مثال للأدب القوطي ولها مكانة ضمن أدب القرن التاسع عشر.

جاءت الرواية بصوت الروائي العليم حتى النهاية مع تقديمه لأبطال الرواية دوريان جراي محور الرواية واللورد هنري الذي يشكل الصوت المعرفي حيث يقود دائما الحوارات بنوع من الفلسفة، والرسام بازيلهولوورد الشخصية التي رسمت الصورة حيث بها عُنونت وتشكلت الرواية.

تبدأ الرواية بالوصف المكاني حيث تتكون صورة أرستقراطية للمجتمع الإنجليزي الذي يعيش فيه أبطال الرواية فمن أستديو الرسام بازيلهولوورد ينطلق حوار بينه وبين اللورد هنري الذي يتحدث بانطلاق تام نحو نقد المجتمع الإنجليزي وطبقة الأرستقراطيين وحياتهم المتكلفة ومعرجا نحو النفس البشرية التي يعبر عن احتياجاتها بطريقة فلسفية بشكل ساخر ومبالغ فيه.

من بين يدي الرسام بازيل تتشكل أجمل لوحة له على الإطلاق عندما رسم الشاب الوسيم جدا دوريان جراي سليل أسرة ثرية تزوجت أمه المعروفة بجمالها الطاغي من رجل ليس من طبقتها رغم كثرة عروض الزواج فعاقبها والدها بحبسها حتى ماتت بعد أن أنجبت دوريان الذي تربى في بيت جده لوالدته وورث ثروة بعد رحيل الجد.

دوريان الشاب الجميل الذي قدسه بازيل حتى وصل في أعماقه إلى مرتبة الإله حمل اللوحة التي لم تكن إلا نقطة تحول في حياته فمنذ اللحظة الأولى التي وقعت عيناه عليها لم تكن مجرد لوحة بل هاجس خوف أصابه، خاف أن يكبر فحسد الصورة وخاف أن تزور الغصون وجهه فتقيم ليمتلئ بخطوط الزمان فيفقد بريق جماله وتبقى الصورة على حالها يكبر كل يوم ولا تكبر هي.

تعرف دوريان جراي بالممثلة والمغنية المسرحية سيبيل فين المنتمية لأسرة فقيرة ففتن بها وراح يحضر لها أغلب عروضها ويلتقي بها في غرفة الممثلين وأغرمت به أشد اغترام وأطلقت عليه لقب الأمير الساحر وكانت تكتفي بهذا اللقب عند مناداته حتى أخفت اسمه بشرت أمها بحبها له بعد أن قرر دوريان خطبتها وعلم أخيها الوحيد صاحب الطبائع الحادة بذلك في الوقت الذي قرر فيه الهجرة  إلى أستراليا موجها كل الوعود القاسية للأمير الساحر لو تعرضت أخته لأي مكروه.

أخبر دوريان صديقيه المقربين له الرسام بازيل واللورد هنري بخبر خطبته ل سيبيل فين فكانت ردودهما متضاربة بين مؤيد بشكل فلسفي من دون قناعة عبر عنه اللورد وبين متحفظ أقرب للرفض عبر عنه الرسام حتى أقنعهما دوريان بحضور احدى عروض سيبيل فين المسرحية حيث مثلت دور جولييت ولكنها لم تؤدي الدور بالشكل المتوقع منها فانصرف أغلب الجمهور وسط تهكم وعدم رضا ومنهم اللورد هنري والرسام بازيل اللذان تعاطفا مع دوريان على خيبة أمله.

واجه دوريان حبيبته بغضب في حين كان ردها أنها تعمدت ذلك لأنها طلقت كل شيء من أجله لكنه رفض هذه الحجة وأعلن تركه لها بل وكرهه وحنقه منها وأنصرف.

جاء خبر انتحار سيبيل كالصاعقة على دوريان وكانت الصورة التي رسمها بازيل منتصبة أمامه تحولت حياته رأساً على عقب من شخص محب للجمال إلى شخص محب للشر بقي وجهه على حاله وقد وقع اتفاق مع السماء من خلال الدعاء أن يبقى له جماله مقابل أن تنعكس كل أفعاله السيئة على مر الزمان فقط على الصورة التي رسمها بازيل.

الرواية تحفة لغوية رائعة يشكر عليها المترجم الراحل لويس عوض تحتوي الترجمة على الفاظ ومصطلحات تساير الزمن الذي كتبت فيه وجمل وتعابير فلسفية غاية في الأهمية أغلبها جاءت من خلال حوارات اللورد هنري الذي راح يتساءل ويحور الإجابات تارة ساخرا وتارة متعمقا ناقدا بذلك الحياة الإنجليزية الغاطسة في الشكليات وكذلك متحدثا عن الشخصية الإنجليزية الملوثة بالنفاق والتبجح.

الخاتمة جاءت جدا مميزة وغير متوقعة فمن خلال الثلاثمائة صفحة تقريبا تشكلت وتقلبت حياة دوريان جراي بين كثير من الشخصيات كان أهمها بطبيعة الحال اللورد هنري والرسام بازيل كان دوريان جراي في مواجهة بينه وبين الصورة (صورة دوريان جراي) الذي عبر عنها للورد هنري حينما عزم على التوبة والعود للحياة الهادئة بأنها سبب كل تعاسته وما كان لبازيل أن يرسمها ثم جاءت النهاية.. النهاية التي احتوت على صرخات دوريان جراي وحده.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى