إبداعات

أنياب الخوف

قصة – ايهاب الورداني:
تقدم الرجل بثبات وتؤدة .. فلحت عيناه في احتواء هياجه، فبدت واسعة كأنها البحر.. اتجه إلى العجوز الجالس على مصطبة أقامها أمام بيته ، ورفع يده وهوى بها على صدغه متمتما إلى البنت التي وقفت جانبه : ” اخلعي نعلك واضربيه “.
ألجمت العجوز المباغتة فلم يبد منه أي دفاع – للحظة – غير نظرات تائهة وتهتهة تعلقت بأطراف أسنانه المتهرئة .. والفتاة ترفع حذاءها وتهوى به.
غير مصدق .. هبط الدرجات الأربع في خطوة .. انقض كالمسعور على الرجل والفتاة لا يدري أيهما يضرب وأين ….؟
كل ما شغل باله أبوه .. وقد رأت عيناه مالم ترياه.
رغم غبار الصيحات والتأوهات وتشابك الأيدى، وهؤلاء الذين وقفوا يشاهدون ما يجري . كان ممددا، والدماء ، تسيل من رأسه كحنفية الصهريج التي تبعد قليلا .. بعض النسوة تبرعن بالصوات والولولة … عندما رأى الخط الأحمر ينساب فوق الخد شاطرا العين نصفين .. طار عقله .
حط يده على شعر البنت المنكوش في لمحة والأخرى على فخذها .. “وهوب” .. صوت ارتطامها بماء الترعة غطى على الشلشلة الآخذة في الارتفاع ، وشد الانتباه من كل الاتجاهات.
احتشد كبارات البلدة في المندرة على الدكك الخشبية الملاصقة للجدران الأربعة … بدا العجوز المعصوب الرأس بالشاش الأبيض نحيلا ، ضئيلا ، كأنما هربت لحومه من عظامه أو تداخلت في تجاويفه .. بعيون شذرة كعيون قطة قاتمة السواد في خرابة مظلمة ترمقه البنت في تحد سافر .. من حين لآخر تنحنح الرجل الفلحاس يشق السكون المطبق على صدر المندرة بأنفاسه الزاعقة . العيون – كل العيون – تترقب في حنو بالغ شفتي العمدة عند الانفراج ..
أجال الرجل السمين بصره في الجالسين ..
ثم أشار ناحية العجوز: اقضوا منه عضو الذكورة.
ثم ناحية الرجل الفلحاس : شجوا رأسه.
تكورت البنت في جلستها .. شدت جلبابها السماوي على قدميها.
قال العمدة : انزعوا ثيابها وخيطوا فرجها.
في بطء تحركت قطع السحب الرمادية الداكنة ، فبدت فوقها السماء صافية في زرقتها الخفيفة وكأنما فتحت للنسيم فجوة هائلة فساح فيها .
لم يزل – يقف – في البلكونة وأبوه على المصطبة دائم ” الملاغية” لمن يمرون من أمامه .. عندما أشرت له انتبه .. كانت البنت تضحك بملء فيها وترش أباه بالماء وهو غارق في ضحكه .. قبل أن نمضى معا تحسس جيبه .. أخرج حافظته وفتحها .. كان الوجه المستدير الأبيض –داخل المربع المظلم – مفروشا بابتسامة حزينة .
قلت مخففا : الحى أبقى من الميت.
استدار للوراء وغمغم : نعم … رحمك الله يا أمى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى