الأخبار الثقافيةمقالات

دمشق .. ذاكرة الوجوه والتحولات

بقلم- دكتور صالح الشحري:

كتاب لطيف صغير الحجم لمؤلفه محمد منصور، يدور حول “دمشق” احدي أقدم مدن وعواصم العالم، يتحدث عن بعض ما كتبه عنها أبناؤها ومن عاشوا فيها، وفرادة دمشق أنها لم تميز يوما في ذلك الأفق الرحب بين أبنائها ومن ولدوا و عاشوا فيها و بين من وفدوا إليها، ولعمري أن ذلك أصبح سمة كل المدن الرئيسية في عالمنا و ليس خاصا بمدينة دمشق التي أشاطر المؤلف حبها.

يختار الكاتب الحديث عن بعض الشخصيات التي عاشت في دمشق و أثرها فيهم وأثرهم فيها، إما من خلال تاريخهم المعروف أو من خلال كتبهم، وهي اختيارات كاتبها الذي يعمل كاتبا للسينما وللتلفاز واختياراته جميلة تناسب كتابا يقرأ في موضوع الحنين للأماكن و الوجدانيات. اول الشخصيات التي اختارها الشيخ عبد القادر الجزائري.

الذين يمرون بطريق المصايف لا بد سيلفت نظرهم القصر الجميل القائم علي ضفاف بردي في دمر، وقد يعجب أكثر أن عرف أن هذا هو قصر عبدالقادر الجزائري أحد رموز المقاومة ضد المستعمر الفرنسي في الجزائر، إذ بعد أن أُسر وسُجن في فرنسا ثمانية أعوام أطلق سراحه بشرط ألا يعود للجزائر فختار سوريا، التي وصل إليها في خريف عام ١٨٥٥ مع مجموعة تضم مئتين من أقاربه.

وأجرت الحكومة الفرنسية له راتبا سنويا قدره ثلاثمئة الف فرنك لإعالة أفراد عشيرته، وأقطعته الحكومة العثمانية أراض في سوريا، و أصبح من أعيان دمشق و درس بالجامع الأموي، كان له دور بارز فيما عُرف بفتنة سنة ١٨٦٠ بين المسلمين والنصارى، وهذه الفتنة غريبة علي دمشق التي يغلب التسامح علي أهلها.

هوجمت فيها المنطقة المسيحية في دمشق كما هوجمت قنصليات فرنسا و روسيا و النمسا وبلجيكا و كذلك مباني البعثات التبشيرية واستطاع الأمير عبد القادر بفضل علاقاته مع أعيان دمشق و مع القنصليات الأجنبية أن يحقن الدماء، وجمع خمسة عشر ألفا من المسيحيين في منازله و في قلعة دمشق لحمايتهم، واستمروا بها حتي طوقت الفتنة.

ووصلت أصداء هذه الفتنة إلي باريس، و خاصة ما وضح من عجز القوات شبه العسكرية العثمانية المتمركزة في المدينة، وبناء علي هذا الاجتماع تم إرسال حملة عسكرية إلي سوريا قوامها ستة آلاف جندي فرنسي، ووصلت بالفعل إلي بيروت، لكن الأزمة كانت انتهت بفضل حنكة الأمير عبد القادر.

وأخيراً, دفن “عبد القادر الجزائري” بجوار المتصوف “محي الدين بن عربي” في حي الصالحية بدمشق، وأُعدم ولده “عمر” ضمن من أُعدم علي يد “جمال باشا السفاح” عام ١٩١٦، و يذكر أنه عندما قرر العثمانيون الجلاء عن دمشق في ١٩١٨ سلموا مقاليد الأمور الي الأمير “سعيد الجزائري” الذي سلمها بدوره الي فيصل بن الحسين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى