الأخبار الثقافيةمقالات

الناجح يرفع إيده

بقلم – دكتور صالح الشحري:

فى كل فصل مثل هذا الفصل يكثر الحديث عن الثانوية العامة و الناجحين فيها، و ما احرزوا من مجاميع، و كيف حققوا ما حققوه، و رغم ان استجابتى الطبيعية هى مشاركة كل من يفرح فرحه بغض النظر عن سبب الفرح، و هذا من ابسط حقوق المشاركة الانسانية، الا أن معظم المناسبات التى تستفز الناس للفرح عادة ما تصاحبها ابتسامة فيها قدر من الاستخفاف عندى،و اكثر هذه الابتسامات ما يرافق المجاميع فى الثانوية العامة.

بالطبع يجب أن نحث ابنائنا على الجد و الاجتهاد ،و لكن لا يجب أن نعطى الامور أكثر من حقها ….فى غزة مثلا أصبحت العائلات تظهر كشوف ناجحيها و نسبهم بترتيب مجاميعهم على سبيل الزهو و الفخر، و أضافوا الى ذلك عمل حفلات و توزيع أوسمة .

تجعلنى هذه المناسبات كثير الشفقة على من لم يحقق المجموع الذي يريد من حوله له أن يحققه ،أو لم يوفق فى اجتياز الامتحان ،المسألة هنا تتعدى أن تكون عثرة لتتحول إلى إدانة لعائلته و لأمه تحديدا بسوء التربية و عدم الكفآءة. رغم أن المسألة أبسط من ذلك فى معظم الأحيان ، و إن كانت أعقد من ذلك فى بعض الأحيان.

هناك بعض الاطفال كتب الله عليهم صعوبات التعلم ، أيام طفولتى مرت على حالات لبعض الزملاء ، أتذكرها اليوم بوضوح فأجد أنهم بمعلومات الطب اليوم يشحصون من ذوى الأمراض السلوكية التى تجعل التعليم التقليدى لهم صعبا،و لكن لا تزال النصيحة أن يدمجوا مع نظرائهم فى السن فى التعليم العام و يتابعوا من خلال برامج خاصة ،و بيئة المجاميع تحولهم الى مرضي بدلا من أن تكون بيئة علاج ،الكثير ممن لم يحققوا المجموع المرموق يخسرهم المجتمع .

اذا اخذنا امريكا مثالا ،و هى اكثر دولة لديها مخترعون و مكتشفون و حاصلون على جوائز نوبل و أشباهها ،لا تجدها تفرض على ابنائها هذا السباق السخيف، بل إن الطالب يمر فى مراحل دراسته بكل سلاسة ،رغم انه قد يخفق فى الكثير من اختبارات المعلومات التى نتعرض لها هنا ،و هدفهم من التسهيل ليس إخراج طلاب لا يعرفون الكتابة الخالية من الأخطاء اللغوية و الإملائية،بل كثير من خريجيهم يصعب عليهم كتابة اي شيئ أكثر من طلب وظيفة للعمل فى سوبر ماركت كبائع ، هل هم مخطئون …لا…هم يحرصون على الا تدمر هذه الصعوبات المختلقة تفتح ذهنية الطالب و اكتشافه لمواهبه و قدراته ،و اهم من ذلك بناء شخصيته بحيث يكون عضوا فعالا فى المجتمع.

انا اري ان الطالب فى مدارسنا لا يحتاج الى كل هذه التحديات ، فقبل ان يطالب منه المجموع الفلانى و العلانى و توضع أمامه الصعوبات لتصفية المتسابقين و فلترتهم بحيث لا يصل الى الكلية المرموقة الا العدد القليل الذي تستوعبه نريده عضوا فاعلا فى المجتمع . ماذا يعنى ان يكون فاعلا فى المجتمع؟ مؤديا لواجبات دينه مراقبا لربه، يكون مقبولا فى التعامل و الكلام ، قادرا على التواصل مع من حوله ،يعرف حقوقه و حقوق الإخرين و يقف عندها ، يعرف حقوق والديه عليه و يؤديها ،يعرف حقوق زوجته عليه و مهارات التعامل الزوجى ، يعرف حقوق جسده عليه ،ماذا و كيف ياكل ،و ماذا و كيف يشرب، و الرياضة التى يجب أن يؤديها ،يعرف حقوقه السياسية و الاجتماعية و كذلك واجباته و يحترم حقوق الآخرين

لا يهمنى اذا عرف نظرية فيثاغورث و ارشميدس او لم يعرفها ،لا يهمنى ان يكون قد قرأ عيون الكتب الادبية طالما انه يقرأ القران و يعرف كيف يلجأ الى التفاسير للفهم، و يقرأ البرامج الانتخابية قبل اختيار ممثليه ، لا يهمني ان لم يكن درس ادب الكاتب و لكنه يكتب طلبا للتوظيف مفهوما ،و رسالة الى والديه يعرف كيف يجامل و كيف يعتذر،و كيف يبدى مشاعره ،يكتشف قدراته و يعرف كيف يرتقى بها….الخ

هذا يكفى و لا اريده ان يدخل فى مسابقة مع غيره حتى يقال فلان احسن من فلان ،و تطلق الزغاريد لسيرة فلان ، و تنزل العبرات لرسوب فلان.

اتصور اننا نصل الى هذا المستوي من خلال اسلوب تعليمى سلس يستغرق تسع سنوات،

بعد ذلك يختار الطالب ما يحتاجه التخصص الذي يطلبه،قد لا ينجح من المرة الاولى،و قد يحتاج فلان ان يدرس مواد اكثر من فلان ،و قد يجد صعوبة فى بعض مواد التخصص فيتحول الى مواد اخري و تخصص اخر، و قد يكتفى بهذا القدر من التعليم و لا تثريب عليه فقط بحاجة ان يتدرب لسوق العمل،كل ذلك يجب ان يتم بعيدا عن الأضواء و عن المقارنات بين فلان و فلان

مؤذن المسجد الذي يؤدي واجبه و يحترم رواد مسجده ،و لا يعتدي على كنيسة عندي مثل الطبيب الناجح

و جامع القمامة الذي ينظف الشوارع له عندي من الاحترام ما للمهنس الناجح طالما ادى عمله كما هو مطلوب و كان مهذبا و لطيفا

و هلم جرا

ان اديسون صاحب مئات المخترعات لم يكن مهندس كهرباء بل كان عاملا.

و اينشتين فشل فى امتحان الرياضيات.

و النهضة اليابانية الصناعية لم تقم على اكتاف مبتعثين اجتازوا اصعب امتحانات هارفرد ،بل قامت على اكتاف مبتعث غادر مقاعد الجامعة و ذهب الى مصنع تعلم كيف يفكك الالات و يعيد تركيبها،يعني لم يكن اكثر من خريج مدرسة ثانوية صناعية فى بلادنا.

نحن نصنع الفشل بالطريقة التى نعلم بها.و نعزز الفشل بالشكل الاجتماعى الذي جعلنا عليه حفلات النجاح.

ارثى لابنائنا، و استسخف الاحتفالات الغبيه التى يمولها اباؤهم…الا ما أسخف حفلات الزواج ،و حفلات النجاح عندنا …الخ الخ، إنها حفلات للاحتفاء بالسخافة لا أكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى