إبداعات

عودة للديار (٢)

قصة صينية ترجمة- اماني السيد:

ونام الأب وبدأ يهلوس فى منامه ويقول:” أنتِ بطاطا حمراء لذيذة جدا، أفضل عشرة آلاف مرة من أفخاذ الدجاج …” سمعه الفتى وعلم إنه يتضور جوعا، فهمس لنفسه يحدثها بخفوت وقال ليس بيننا آية رابط.

لكنه شعر بعدم الارتياح قليلا ولكن بعد أن ترامت هذه الكلمات لمسامعه مرة ثانية انزعج بشدة، و اغتم بشدة حينما ترامت هذه الكلمات لمسامعه عدة مرات، فجفاه النوم! ولكن مالم يكن بالحسبان، ولم يحدث منذ ردح من الزمن هو تساقط مطر غزير وحدوث برق ورعد وهبّت رياح عاتية.

وكل هذا ينهش بقلب الفتى وكأنه علكة تمضغها الحشرات، التحف الأب المضجع أسفل الأفاريز جيدا بشعره وتكور حتى صار كالكرة الكبيرة، فلا الريح سكنت ولا الأمطار توقفت.لكن لم يستيقظ الأب من شدة اعياءه.

ومن ثم تنهد الأب بصوت مسموع وهو يقل: يا الهى! لما تساقطت كرات الثلج بَغْتة هكذا. غمر الماء جسده بأكمله عقب لحظات، فقال مرة ثانية : كيف تساقط الثلج مرة ثانية بهذه السرعة؟! وما إن ترامت هذه الكلمات لمسامع الفتى حتى أحس بإن قلبه كجمرة من النار من فرط ألمه. قلق حينها على والده حقا، كما أراد دعوته لدخول الدار. لكن لم تزل سَوْرَةُ غَضَبِه بعد، فحدث نفسه وقال: ” لما أهتم لأمره، فليس بيننا رابط!” و راح يَغِطّ في نوم عميق سريعاً.

بعد بزوغ فجر اليوم التالى؛ استيقظ الأب، فهو مازال على حاله القديم؛ يستيقظ فى وقته بالضبط، وما إن استيقظ حتى رحل ليبحث عن ولده.

فكانت خطواته بطيئة كخطوات النملة، فهو يتضور جوعا، سار تحت الأفاريز حتى خرج من فناء الدار، استيقظ الفتى فى تلك الأثناء، وهو لا يدري لما استيقظ فى هذا الوقت، وأخذ يختلس النظر من صدوع الجدران، فشعر فى تلك اللحظة بالضياع والفراغ.

فحين رحل والده بعيدا واختفى بين أشجار الغابة شعر بألم حقيقى كما عز عليه فراق والده و حنَّ لعائلته و أراد العوده برفقة والده، فهو لم ينعم بحياة هادئة طبيعية ولو قليلاً منذ أن هجر دار أهله.

فأسرع الفتى للحاق بوالده، ولكن لم يكشف هويته لوالده، فتتبعه من بعيد كما اقتلع جذع شجرة ضخمة ليتخفى خلفه وكأنه مظله له، خشيه أن يراه والده.

وبعد أن ساروا هكذا لبعض الوقت، شعر الأب بأن هناك من يتتبعه، وحين استدار للخلف توقف الفتى بلا حركة من فوره، ولم ير الأب أحدًا، لذا استمر فى سيره.

وما إن واصل الأب سيره حتى راوده الإحساس ذاته مرة ثانية، فاستدار برأسه لعله يرى من ذا الذى يتبعه، لكن النتيجة كانت كالسابق ولم ير أحداً.

وصلا لأرض عشبية شاسعه، بعد مرور وقت قصير، وأخذ الأب يتوغل بها أكثر فأكثر وهو يعتقد أنه سيتخلص من هذا الذى يتبعه بهذه الطريقة، ولكن لم يتخلص منه فهو ما زال يتبعه، فاستدار برأسه بَغْتة، ولكن كانت هنا الصدمة، فكان ما يتتبعه ما هو سوى جذع شجرة ضخم.

تفاجئ الأب و ذُعِرَ فى الوقت نفسه، فهو ظنه غول كبير يأكل لحوم البشر، ويتتبعه ليصطاده، ولكنه تحلى بالشجاعة فى نهاية المطاف، وسار بجرأة تجاهه ليستكشف ماهيته، اطمئن حينما رأى رجلاً عملاقا خلف الشجرة.

ربت الأب على أرجل العملاق، هو يقول: ” مرحباً بك يا طويل القامة! لما تختبىء خلف الشجرة؟!” لكن هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لمن تنادى فلا مجيب، وحين أعاد عليه السؤال مرة ثانية، أجابه الفتى قائلا” انا جذع شجرة!” فسأله الأب مباشره” ألا يمكنك الجلوس هنا.

فأجابه: أمعقول هذا؟! فأنا جذع شجرة لا يمكننى التحرك” فأجابه الأب بلئم” حسنا! ليست هناك مشكلة سأصعد أنا إليك، فقد تسلقت جذع الشجرة مسبقاً”، ولكن جلس الأب على الأرض عوضاً عن تسلق الشجرة.

فوقع العملاق فى شباك خداع الأب، معتقدا أن الأب تسلق الشجرة من أمامه فأسرع الفتى بالركوع على الأرض حتى لا يراه والده.

لكن كانت النتيجة على عكس ما توقعه، فحين ركع أرضا التقى بوالده، سُرَّ الأب للغاية وسأله بشيء من الشك، فهو يشك بأن هذا العملاق هو ولده فهو يشبه كثيرًا، فاغتنم الفتى الفرصة لإماطة اللثام عن هويته ويعترف بأنه ولده.

فسأله الأب سؤال متعجباً من فوره” كيف صرت عملاقا هكذا ؟!” فأجابه” تجرعت حليب سيدة عملاقة” ومن ثم قص عليه كل شيء.

تنهد الأب حسرة قائلًا: ” ما عساي أن أفعل؟! فعثورى عليك هو الأمر الأكثر مَسَرَّة فى حياتى، ولكننا نملك داراً صغيرا لن يسعك!”.

فأجابه الفتى: “لا داع للقلق حيال هذا الأمر، فسوف أبحث عن سيدة من البشر أمثالنا وارضع من حليبها لفترة زمنية وبعدها سأعود كما كنت سابقا”، وبعد ذلك يمكننا العودة للدار، فذهبا يتوسلا لسيدة أن تطعمه قليلاً من حليبها.

وافقت السيدة على طلبهم نظراً لصدقهم وطيبتهم، فغمرتهم السعادة. فهم على وشك أن يعودا للدار، شرب الفتى الحليب وصار كالبشر الطبيعيين وعادوا للدار. وما أن وصلا للدار ورأى الفتى والدته، التى صارت كالصخرة فقط تصرخ بقلب مكلوم وتتقىء من فرط شجنها.

حتى أنب نفسه ألف مرة ومرة على هجره للدار. وانهمرت دموعه كجدول ماء صغير يجرى بين الصخور. وها قد التم شمل الأسرة من جديد واجتمع أفرادها الثلاث، تغمرهم السعادة وتعلو وجوههم بسمة مشرقة كاشراق الشمس.

واخيرًا، لم يعد الفتى عنيداً ومكابرا بعد الآن وغمره والداه بحبهم وعاشوا معا فى هناء وسعادة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى