خليل الجيزاوي في حوار خاص مع “الأدب نيوز”:
أكتب عن أشخاص حقيقيين وتجارب حياتية عشتها خلال رحلتي مع الحياة
- توقفت عن كتابة الشعر نتيجة لظٌلم فادح تعرضت له
- أقرب رواية لقلبي هي روايتي الأولى “يوميات مدرس البنات”
- “يوميات مدرس البنات” رواية رصدت ظاهرة التفكك الأسري في المجتمع.. وحصلت على الجائزة الأولى وشهادة تقدير بتوقيع “نجيب محفوظ”
- مكتبتي خصصت لها شقة كاملة تضم أكثر من عشرة آلاف كتاب
- أنصح الشباب بالقراءة .. وأكرر مقولة دكتور طه حسين: “أنصح الكُتاب الجداد أن يقرءوا قبل ما يكتبوا”
حوار – منار إبراهيم:
نشأ وتربى في إحدى قرى محافظة الغربية، بدأت موهبته الأدبية منذ الصغر، وأخذت تكبر معه حتى أصبح الشاعر الصغير المتفوق على شعراء جيله بحصوله علي المركز الأول في مسابقة الشعر منذ المرحلة الإعدادية وحتى الثانوية، ربطته علاقة قوية بالأديب الراحل يحيي حقي والناقد الكبير الدكتور عبد القادر القط.
تخرج من كلية الآداب جامعة عين شمس، تدرج في المناصب الإدارية بوزارة الثقافة حتى تم تعيينه مديرا عاما للشئون الأدبية، ثم شغل منصب وكيل وزارة الثقافة للشئون الأدبية والمسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس إدارة نقابة اتحاد الكُتاب، رئيس لجنة النشر، وعضو مجلس إدارة نادي القصة، إنه الكاتب والروائي الموسوعة “خليل الجيزاوي” ..
- كيف كانت بداية رحلتك الأدبية؟
بدأت أكتب القصة القصيرة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وبدأت كتابة النثر الفني مُبكرًا، منذ المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية وضحت الرؤية على أنني سأكون شاعرًا، وبدأت أحصد الجوائز من مراكز الشباب، وكنت دائمًا أحصد المركز الأول، فحصلت على خمس جوائز، وزرت بعض محافظات مصر من خلال مشروع “قطار الشباب” كجزء من الجائزة ومنها زيارة مدينتي الأقصر وأسوان خمسة عشر يومًا، زرت نويبع وطابا وسانت كاترين ضمن وفد الشباب الذين حصلوا على جوائز أدبية، سعدت بهذا الجانب المعنوي من الجائزة التي فرقت معي كثيرًا في فترة الشباب المُبكر ممّا جعلني أحمد الله على هذه الموهبة.
- أين الشعر في حياة “خليل الجيزاوي” حاليًا؟
توقفت عن كتابة الشعر نتيجة لظلمٍ تعرضت له في عامي الأول بكلية الآداب جامعة عين شمس، حين اشتركت في مسابقة نظمتها وزارة الشباب مع الجامعات بمناسبة العيد الألفي للأزهر، ودخلت المسابقة وأنا طالب بالسنة الأولى بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس، عام 1982، بقصيدة عمودية مكونة من 35 بيتًا، وفوجئت بحصول الدكتور صابر عبد الدايم، مدرس اللغة العربية بجامعة الأزهر على المركز الأول، وحصولي على المركز الثاني، وتقدمت بأكثر من شكوى مكتوبة قائلا: ” كيف يُشارك شاعر تم تعيينه مُدرسًا بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بعد حصوله على درجة الدكتوراه في مسابقة أدبية مخصصة للطلبة خلال مرحلة الدراسة الجامعية؟!”، وهذا يعني أن المنافسة لم تكن متكافئة على الأقل من المرحلة العمرية، ولولا مشاركته لحصلت على المركز الأول، فشعرت بضغينة وظُلم فادح.
- وكيف توجهت لكتابة القصة القصيرة والرواية؟
هذا بفضل أستاذي الناقد الكبير دكتور عبد القادر القط، عميد كلية الآداب جامعة عين شمس آنذاك، وكان يدرس لنا كيفية تذوق الشعر العربي في كتابه “الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر” الذي حصل به على جائزة الملك فيصل العالمية، وفي يوم ألقيت أمامه قصيدة، وعرضت عليه قصة فقال لي ستكون قاصاً جيداً، وأخذ قصتي ونشرها في مجلة إبداع، ممَا أعطاني حافزًا شديداً نتيجة لنشره أول قصة لي بجوار دكتور يوسف إدريس والشاعر الكبير أمل دنقل عام 1982، ولهذا السبب تحولت من كتابة الشعر إلي كتابة القصة القصيرة، وكانت هذه النقطة الفارقة في حياتي، من هنا ربطتني علاقة قوية بالدكتور عبد القادر القط، فهو بمثابة الأب الروحي لي، الذي وضع يده على نقطة تميزي، ودعمني وشجعني منذ بداية رحلتي الأدبية.
- ما هي ثمار رحلتك من مؤلفات أدبية؟
أصدرت حتى الآن سبع روايات، وثلاث مجموعات قصصية، وكتابان في النقد الأدبي، ويوجد تحت الطبع روايتان وثلاث مجموعات قصصية.
- ما أقرب أعمالك الأدبية لقلبك؟
ربما روايتي الأولى “يوميات مدرس البنات”، الحائزة على الجائزة الأولى لنادي القصة، وشهادة تقدير بتوقيع الكاتب الكبير “نجيب محفوظ”، فهذه الرواية لها مكانة خاصة في قلبي، ربما لأنها ابنتي البكرية فهي نتاج فترة عملي لمدة عشر سنوات كمدرس للبنات في سن المراهقة، عشت معهن كأب يحمل همهن ويسمع أسرارهن ومشاكلهن ويحاول حلها.
رصدت من خلال هذه الرواية ظاهرة تضرب المجتمع المصري المتماسك في مقتل وهي المراهقة والتفكك الأسري، وقمت بسرد قصص 5 بنات منهن عن طريق “رواية الأصوات”، حيث جعلت كل بنت تتحدث عن نفسها.
أما أقرب قصة قصيرة إلى قلبي هي القصة التي كتبتها بعد وفاة والدتي بسنة كاملة تحت عنوان “أمي سلامًا سلامًا”، ونشرها الكاتب الكبير “سامي خشبة” بملحق الجمعة بجريدة الأهرام على صفحة كاملة عام 2002، واتصل بي الكثير من كبار الأدباء والشعراء، فكل من قرأ القصة تذكر أمه وبكى، لأن القصة خرجت من دائرة الخاص إلي العام؛ لذا حققت هذه القصة مردودًا جيدًا.
أما عن أفضل رواية فهي التي لم تكتب بعد، لأنني أسعى دائمًا أن أقدم الأفضل، فأريد أن أترك رواية تكون علامة في حياتي مثل رواية “الوتد”، “اللص والكلاب”، “الحرافيش”، أما رواية “حديث الصباح والمساء” فهي روايتي المفضلة التي أشاهدها في كل مرة تعرض فيها علي شاشة التليفزيون وكأني أشاهدها للوهلة الأولى.
- لمن تحب أن تقرأ؟
أحب أن أقرأ لكبار الأدباء مثل: نجيب محفوظ، إبراهيم الكوني، يوسف إدريس، عبد الحكيم قاسم، إبراهيم عبد المجيد، حنا مينا، إبراهيم أصلان، محمد البساطي، هذا إلي جانب ميلان كونديرا وروايتيه البطء وفالس الوداع، وباولو كويلو ورواية الخيميائي، وأحب أن أقرأ الروايات التي تنافس على جوائز كبرى؛ كونها روايات لافتة أحب أن أعرف سبب تميزها.
- ماذا عن أحدث رواياتك “أيام بغداد” التي صدرت مؤخرًا؟
أنتمي إلى مدرسة “نجيب محفوظ” الواقعية الاجتماعية، ودائمًا أحب أن أكتب عن الأماكن والشخصيات التي أعرفها، ورواية “أيام بغداد” فهي قصة حقيقية عيشتها في بغداد خلال الفترة من 1982 وحتى عام 1984، أثناء سفري للعمل في العراق خلال شهور الصيف طول سنوات الدراسة بالجامعة، رصدت خلالها الاختلاف السياسي والمذهبي بين السنة والشيعة، ورصدت أحوال المصريين هناك، كتبتها بصدق لذلك حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة “إحسان عبد القدوس” للرواية.
- ما سر تميز “الجيزاوي” عن العديد من كُتاب عصره؟
سر تميزي هو أنني أكتب عن أشخاص حقيقيين من لحم ودم، وتجارب حياتية عشتها خلال رحلتي مع الحياة، وأقوم بسرد الرواية من خلال تضفير أحداث الواقع مع الكثير من الخيال، فنحن لا ننقل الواقع ولكن نختار منه ما يتناسب مع فنيات كتابة الرواية.
- ماذا عن علاقتك بالكاتب الكبير يحيى حقي وراية مواقيت الصمت؟
تقابلت معه ذات يوم أمام حديقة “الميرلاند” وهو يمشي صباحًا، وعندما سألته لماذا كل هذا الحب لحي السيدة زينب، وكانت رواية “قنديل أم هاشم” مقررة علينا في السنة الثالثة بقسم اللغة العربية بالجامعة، فقال لي: هل تسكن بالسيدة زينب، أجبت بالنفي، فقال: اسكن في “السيدة زينب” وأنت تعرف إجابة سؤالك، وبالفعل نقلت سكني إلي حي السيدة زينب، وسكنت بها 10 سنوات، عشت أجواء الحي الشعبي بطقوسه الحياتية اليومية.
ومن هنا عشقت حي “السيدة زينب” حتى أصبح البيئة التي تأثرت بها، وفي حبه أصدرت رواية فارقة في حياتي الأدبية بعنوان “مواقيت الصمت”، والتي تدور أحداثها في شارع الناصرية بالسيدة زينب، وأهديت هذه الرواية إلي الكاتب الكبير “يحيي حقي”؛ اعترافًا بحبي الكبير للكاتب “يحيى حقي” كقيمة وقامة ثقافية وأدبية في حياتنا.
- ماذا عن رواياتك القادمة؟
لدي رواية تحت الطبع بعنوان “خالتي بهية”، وفيها أتحدث عن قريتي الصغيرة مسقط رأسي بمحافظة الغربية، فأنا أعشق قريتي فهي البيئة التي تربيت فيها، فالكاتب ابن بيئته لأنها تملك شغاف قلبه، ومن خلال الرواية أقوم برصد التغيرات السياسية والاجتماعية بالقرية خلال 50 عاما، حيث لم تعد القرية بملامحها وعاداتها، تغيرت كثيرًا وباتت تتطلع أن تكون شبه المدينة.
- بماذا تنصح الكُتاب الشباب ؟
أدعو الشباب عامة بالقراءة، فأنا أمتلك مكتبة تحتوي أكثر من عشرة آلاف كتاب، كنتُ أدخرُ جزءًا من مالي سنويًا لأشتري به الكتب من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وظلت مكتبتي تكبر سنوياً حتى خصصت لها شقة كاملة وحولتها لأرفف، لتصبح الشقة بأكملها بمثابة مكتبة.
أما شباب الأدباء أقول لهم ما قاله عميد الأدب العربي دكتور “طه حسين”: “أنصح الكُتاب الجداد أن يقرءوا قبل ما يكتبوا”، فيجب أن يعلموا أن الكاتب بمثابة “موسوعة”، لذا فعليه أن يقرأ في جميع التخصصات وأن يقرأ كل شيء في تخصصه، بالقراءة يستطيع الكُتاب الشباب أن يضيفوا عمر الكُتاب القدماء إلي أعمارهم، والاستفادة من خبراتهم الحياتية.
وأنهى حديثه قائلًا: الكاتب الذي يعبر بصدق عما يدور بداخله من أحاسيس، يكون كاتبًا صادقًا ويؤثر في الناس.