نواقص !
بقلم: عبد العزيز محمد
أعجب لأمرٍ لاح في أفق سمائي, وتردد على مسامعي كثيراً كترديد عصافير الصباح لذات التغاريد, كيف يعجب البعض بشيء ليس بكامل وناقص؟ والأدهى والأمّر أنه يجد متعته بذلك كثيراً !، ما زادني من توافه هذه الأمور إلا رأفةً وشفقةً على من هم أسرى لديها كمن يرى من داخل السجون معارف له ولكن حال بينهم حديد القضبان, يلهون في متاعهم باعدين النظر عن إتمام ما بين أكنافهم وما في أكنة صدورهم, فلو وقعوا تحت رهان حبٍ ما نالوا منه غير إشباع رغباتهم ونزاوتهم بعيداً كل البعد عن تفاصيل ونقاوة وصفاوة ما يصبوا إليه متمثلاً بنهاية تكون خاتماً ودبلة !
وإذا أبحروا في بحور الصداقة ورأوا لمعان وصفاوة ماؤها أبَوْا إلا أن يدنسونها بأحقادهم ودناءتهم وحسدهم وغيبتهم وطعنهم ولم ينفعوا سوى ذاتهم بعدما جف بحر الصداقة وتبخرت أنهار المودة بينهم وانقطع حبل الوصال كما أرادوها , ناقصة !
وهم هكذا على الدوام , يحبون نواقص الأفعال على إتمامها , وهناك نواقص أخرى على صعيد آخر, بين رفوف المكتبة تبحث عن رفيق لك تأنس بمجالسته وتهنئ بمصاحبته، تأخذ ما أعجب سريرتك وسحر وجذب ولفت ناظري مقلتك, عدت سريعاً لمنزلك وفي جنبات مكتبتك بدأت تتفقد صديقك الجديد واستشعرت كمية الدوبامين المفرزة داخلك مما عكس على خارجك, فمن أعالي وأقاصي معدل لفرز الهرمون يهبط ويهوي سريعاً كحامل فأس يهوي به ليقتطع جذع الشجرة وكنت أنت الجذع ذاته، تصدم بصفحات ناقصة وكتابٍ غير مكتمل, سيسوء حالك وعلى النقيض تماماً فمن كان سبباً لسعادتك ها هو سبباً لتعاستك, فماذا يحدث لعقولنا عندما نرمي بها ونذهب بتلقاء أنفسنا لشراء هذه الكتب, وإن كنت ذكرت الكتب مجازاً إلا أنها لا تغنِ عن الحقيقة شيئا ، إن بعض الكتب وأحبذ ألا أنطق بأنها كذلك وأجزم بهذا إنما هي “رسائل هاتف محمول نصية” كانت ترسل في زمن ما وتجمعت على هيئة كتاب ويعنى بصاحبها كاتب فذ ومحنك ويبتاعك إياه وبياض الورق طاغي على سواد حبره !
ونقتني الحاجيات والملابس تحت ما يسمى به الآن ” الموضة ” وأنت لم تنقص هللة واحدة من قيمته ومقابل ذلك تحصل على بنطال لم يبقى منه إلا القليل ورداء لا يكسوك إنما يبين ظاهر جلدك وما أردته ألا يظهر !, قد كنا في وقتِ مضى نخجل كثيراً عند ظهور خيط يدل على حدوث تمزيق البنطال أو الرداء وإن كان بأعلى الأثمان فمصيره أن يبقى حبيس الأرفف إلى ما شاء أن يعتقه لوجه الله صدقةً أو لعله يتكرم عليه ويجعله خرقة تزال بها الأوساخ، فعجبي لمثل هؤلاء من ذوي الأفعال وهم كثرة وذوي المقتنيات وهم في ازدياد, من عقولهم هل تداعت واندثرت الفطنة وحسن المعاملة والعشرة, أم أنها أصبحت خصبة لتمرير وزراعة ما يريده سذجاء العقول وخبثاء الأفعال ؟! دعوة للتساؤل.