“القطيفة الحمراء” .. في أحدث إصدارات بهاء عبد المجيد
صدر حديثًا عن منشورات إيبيدى لنشر والتوزيع، رواية تحت عنوان “القطيفة الحمراء” للكاتب بهاء عبد المجيد.
وتحكي الرواية: مَدْرَسَتُنَا واسعة، تتوسَّطُها شجرةٌ كبيرةٌ، كُنَّا ندورُ حولَها، وتُشْبِهُ الشَّجَرة المُحَرَّمَة، وأحيانًا الشَّجَرة المَلْعُونة بفروعها الطويلة الممتدة المتعرِّجة، أحيانًا أنظرُ إليها، وأتخيلُها بشرًا يتعذبون أو أطفالًا يتعلَّقون بفروعها المتدلِّية.
وتكمل صديقي “عبد المتعال” يتأبَّط ذراعي، ويحكي لي عن عائلته ومنطقة شبرا الخيمة التي يعيش فيها، ويحكي بصوتٍ حادٍّ وسريع، وكان لا يُحبِّذُ أن أختلطَ بالطلاب الآخرين؛ لأنه يعتقد أنهم أغبياء وتنقصهم المعرفة والحكمة، أشعر بالضَّجَرِ منه أحيانًا، وأتمنى أن أتعرَّف إلى أصدقاء أكثر.
وتروي مَدْرَسَة التوفيقية بقصرها الملكي الهائل، وسلالمه العالية المرهقة، وحجراتها الواسعة، وأرضيتها الخشبية المتربة، وحجرة الموسيقى وأدواتها الموسيقية، مثل البيانو، الذي كان يُبْهِرُني شكلُه وصوتُه، عَلَمَنِي مُدَرِّس الموسيقى كيف أعزف مقدّمة “أنت عُمْري” لـ (أم كلثوم)، وتبدأ بـ “تا تتا تا تاتا تتا تا تا تاتا” – خاصة البيانو الأسود الكبير، وأشجارها المورِقة الضخمة التي تتوسط الفناء، والتي طالما جلسنا تحتها مع أصدقائي نغني ونقرأ ونتناقش في العلم والحياة.
وتضيف كنتُ أمشي وحيدًا في فِنائها أنظرُ إلى مبانيها وفصولها، وأحْلُمُ بالجامعة والتخرُّج فيها، كان شتاء ديسمبر يُغلِّفني بمِسْحَةٍ من الكآبة، وحينما تُمْطِرُ أشعر بالسعادة فأدخل للمكتبة كعادتي لأقرأ، كنتُ أحب قراءة ديكنز، وحكايات من شكسبير لشارلز لامب، وأتعلم منها حكمة الأيام وأفعال الملوك.
يحيط بي أصدقائي، ونتجوَّل في أَرْوِقَة لا يعرفها غيرُنا، وأصبحت الشجرة الضخمة التي أطلقنا عليها “شجرة السِّر والمعرفة” مَجْلسنا الدائم، لم يعجب ذلك من كانوا يديرون المَدْرَسة، وقالوا: سنمنعك أن تتحدَّث مع حَوَاريك في أمور مُريبة.
كان شَكْلِي ومَلَامِحِي يقنعهم تماما أنَّني كاهن، وهارب توًّا من دَيْرٍ في جبال سيناء – فبِنْيَتِي ضعيفة وعيوني بها انكسار وحُزْن مثلما أخبرني (عبد المتعال) – وأنَّنى تماما كَمَن يعرف أنه حتما سيصعد للصَّليب دون ذنب أو خطيئة إلا للفداء منهم من يَسْأَلُني عن ديانتي، ومنهم مَنْ يتأكَّد أنَّني مَسِيحيّ فقط بالنَّظر لسَحْنَتِي، يعتقدون أنَّ ضعفي هو السبب؛ لأنَّ الصِّيام عن أكل الروح؛ يسبِّب الوَهن.
وتقول أنا مُسْلِم، ولكن لا مانع من نَعْتِي بالمَسِيحي؛ فأنا أحب البشر جميعا، ولا يؤرِّقني اختلاف الدين، ما يَشْغَلُني هو معرفة الله، وليس المذهب، فأنا أحبُّ البشر وأقدِّسهم، وأعتبرُ أنَّ الوجود البشريَّ هو المعجزة التي تدلِّل على وجود الخالق، وغير ذلك إنكار تام للوجود، الله تحدَّى مَمْلَكته ومخلوقاته الأخرى من ملائكة وشياطين؛ ليهبَ الإنسان الحياة والخِلَافة على الأرض، وكان مبدؤه الاكتمال والاستمرارية، وتكملة النشاط السماوي بنشاط أرضيٍّ؛ ليحقق العَدْل والجَنَّة في الأرض والسماء.
وتسألت “القطيفة الحمراء” هل لم يكن مؤهلا لأن يمشي هو بنفسه على الأرض فخلق آدم ليكون الخليفة؟ وهل المسيح كان الحلقة الثانية للرب بوجوده متمثلا في الأرض؟ ولكن القرآن ينفي التجسُّد ويَدْحَضه، وأحيانا يرجئ الحديث عنه، وينفي عن البشر المعرفة اليقنيَّة بالوجود، وماهية طبيعة المسيح والآلهة، وهل المسيح تجسُّد للآلهة، أم فقط كلمة ألقاها الله في رَحِم “مَرْيَمَ” ليكون بشرا؟.