ابن سينا والغزالي وابن عربي في كتاب حديث بعنوان “بين الحرية الإنسانية والقدر الإلهي”
صدر حديثًا الترجمة العربية لكتاب “بين الحرية الإنسانية والقدر الإلهي في الفكر الإسلامي: دراسة توافقية نظرية عند ابن سينا والغزالي وابن عربي”، عن المركز القومي للترجمة، للكاتبة ماريا دي سيليز، ترجمة محمود سلامة.
موضوع الحرية الإنسانية في مقابل القدر الإلهي هو واحد من أعظم المباحث المثيرة للجدل في الفكر الإسلامي التقليدي، ويقدم هذا الكتاب دراسة نقدية متعلقة بالإسهامات العقلية المعروضة في هذا المسار وذلك عن طريق ثلاثة من المفكرين البارزين الإسلاميين خلال العصور الوسطى هم ابن سينا والغزالي وابن عربي، عن طريق التركيز على موضوع ذي أهمية مركزية لأى فلسفة ذات علاقة بالدين وبصفة خاصة الدين الإسلامي.
يحدثنا التاريخ الإسلامي منذ انبثاق الدعوة الإسلامية أن لب الدين الإسلامي الذى يتمثل في العمل الانساني الذي به يسعى الإنسان إلى ترقية فكره، ورسم السعادة في حاضره ومستقبله الذى لا ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا، بل يمتد إلى ما وراء هذه الحياة من برزخ ثم بعث وحساب وثواب وعقاب.
اختارت المؤلفة ثلاثة من كبار المفكرين المسلمين، كل منهم يمثل مجالا من مجالات الفكر الإسلامي، الأول هو الشيخ الرئيس ابن سينا الذى يمثل الفلسفة التقليدية المشائية الإسلامية التي تعتبر أرسطو هو النموذج البارز لهذا الاتجاه العقلي، على الرغم مما حدث من خلط على أيدى المترجمين الأوائل بين كان منسوبا لأرسطو وما كان منسوبا لغيره من شراح، حيث خلطوا بين الاتجاه الأرسطي العقلي الخالص وما بين ما أضافه شراح من أفكار إشراقية مشربة بروح الفلسفة الشرقية، وذلك على أيدى افلاطون وتلاميذه.
والثاني الغزالي الذى كان في الأصل من المتكلمين الأشاعرة والذى خاض غمار الفلسفة ثم ثار عليها ناقدا اياها، ثم ختم حياته بتبني الاتجاه الصوفي. أما الثالث فهو ابن عربي الذى لم يقف عند اتجاه معين بل خلط الفلسفة وعلم الكلام والتصوف الذى غلب عليه الفكر الفلسفي، واستقر به الامر في النهاية الى تبني اتجاه صوفي موغل في خليط من المذاهب الفلسفية: شرقية، غربية، دينية، ربما لم يكن لها اية علاقة بدين معين.
ويكاد الثلاثة يلتقون عند مبدأ عام واحد بشأن مبدأ عام واحد في شأن قضية القضاء والقدر والحرية الإنسانية، هذا المبدأ هو وقوع الإنسان بين شقي الجبر والاختيار فهو حر مجبر، أو مجبر مختار، وقد أجادت المؤلفة في هذا المضمار ورجعت رجوعا دقيقا الى هذه المصادر الأصلية لهؤلاء الثلاثة بالإضافة الى استعانتها بآراء مفكرين غربين وغير غربيين ويقدم هذا الكتاب إدراكا كاملا للتاريخ العقلي الإسلامي والثقافة الإسلامية .
جدير بالذكر، أن ماريا دى سيليز، هي كاتبة وباحثة تركزت اهتماماتها بالدراسات الإسلامية التقليدية، لها العديد من الأعمال عن الفلسفة الإسلامية والاتجاهات الروحية والصوفية الإسلامية.