مراتع الجهلاء
بقلم – نايف مهدي:
إن الإعراض عن مراتع الجهلاء، والامتناع عن الانسياق في تحليل المسائل التي يكون ناتج حلها عبارة عن تكرار المعطيات على خطٍّ زمني أطول، وكذلك التغافل عن الزلات الساذجة، والتنزه عن النقاشات غير المنتهية تَبعًا لاختلاف الذائقة، وما تهوى النفوس، والتباين في وجهات النظر بين الأطراف، لا تُعد كما يراها البعض أنها عوزٌ أو قلة حيلة في اتخاذ الإجراء الرادع، كإرسال ردة فعلٍ معاكسةٍ لها في الاتجاه ومساوية لها في القوة (أو تكون تلك القوة المضادة أكثر قوةً من مركز الانطلاق، والذي سيجني ثمارها هو الجاهل المُطفف؛ عندما تتساوى العقول على أكف ميزانه المائل مع الفارق التركيبي لهما).
على النقيض تمامًا أن يُشير البعض أن ذلك تهرب، أو عدم استطاعة أو كونه قصورًا في الاستجابة العصبية اللغوية في إيجاد مفردة يُلجم بها “نافخ البوق” الذي اتخذ من التزمير حرفةً له، كلتا الحالتين حادت عن جادة الصواب، ولا يمكن أن يكون بينهما نقطة التقاء.
مَنْ كظم غيظه، ولزم صمته؛ أبي أن يُنزل الجاهل منزلة الغريم أو الند؛ ( فناتج قسمة الكسر على العدد الصحيح لن يكون سوى كسرٍ ارتدى المزيد من الأصفار المُتزاحمة على ساحل الفاصلة الأيمن؛ فقط أثقلت كاهله مع انتفاء القيمة)، لذلك صاحب الفكر عاقد العزم واثق الخُطى باتجاهٍ قُطري مُتصاعد؛ (سفوح جباله ما هي إلا نقطة انطلاق لأسرابٍ أُخرى تبحر باتجاهات ومسارات لا تنتهي)، كخيوط الضياء تنسج انحدارها وانسجامها بتدفقٍ موجيٍّ سلس في أول أيام الهلال عندما يغيب أكثره كبداية كل شهرٍ قمري، وكأنها تخيط أطراف السماء كأوتاد غاب غمدها في خاصرة الأفق أو انكسارٍ ضوئيٍّ نافذٍ ثاقب لأديم النجوم دون أن يخبو وهجه أو أن يخبُت نوره، شكّل نجاحه على ألواح الأفلاك بهدوءٍ مُحكم، كأنه سنًا متوهج، أو قلادة تعكس صفاء حجرها، ونور محيطها جلي لكافة الأعين التي مسكنها السماء، تاركةً نقر الأتربة (لمنقار الدجاج) الذي لا يكل من تنقيب الثرى ولا يملّ صراخه الذي يعكر صفو كل شيءٍ، ليخبر العالم أن هنالك بيضةً أتى بها كما أتت بها سلالة عائلته على امتداد ( حظائرهم) في أطراف المزارع.
كلتا الحالتين مثلهما؛ كضوء القنديل الذي يُبدد العُتمة ويأتي بالضياء، وتهتدي إليه أفئدة الفراش وتركن، وجذعٍ مبتور حُرمَ السقاية حيّاً فلمّا أصبح حُطامًا يبسًا أُضرمت فيه ألسنة اللهب؛ فأصبح ينفث الدخان لِتضيق به الصدور وتتأذى منه الأعين.