“الذاكرة” .. كتاب يوضح لماذا نتذكر أحداثًا من طفولتنا ولا نتذكر ما فعلناه أمس؟
ينطلق كتاب “الذاكرة: مقدمة قصيرة جدًّا”، للكاتب جوناثان كيه فوستر، الصادر عن مؤسسة هنداوي، من فكرة: لماذا نتذكر في بعض الأحيان أحداثًا من طفولتنا وكأنها وقعت بالأمس ولا نتذكر ما فعلناه الأسبوع الماضي؟ كيف تُخزَّن الذكريات في المخ وكيف تتغير الذاكرة مع تقدم العمر؟ ماذا يحدث عندما تتدهور الذاكرة؟ وما مدى سهولة أن يتلاعب الآخرون بذكرياتنا؟
وفي هذا الصدد يعرض الكتاب آخر الأبحاث التي أُجريت في علم النفس وعلم الأعصاب، للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الاستفسارات المهمة الأخرى حول علم الذاكرة؛ حيث يكشف اللثام عن كيفية عمل الذاكرة، وكيف لا يمكننا العيش بدونها، بل ويوضح سبل زيادة قدرتنا على التذكر.
يقول الكتاب: الذاكرة ليست مجرد استدعاء معلومات صادفناها في فترة سابقة إلى أذهاننا، فكلما أثَّرت تجربة حدث سابق على شخص ما في فترة لاحقة، فإن أثر التجربة السابقة يُعدُّ انعكاسًا لذكرى ذلك الحدث السابق.
يمكن توضيح تقلبات الذاكرة بالمثال التالي: لا شك أنك رأيت آلاف العملات طيلة حياتك، ولكن دعنا نتأمل مدى قدرتك على تذكر عملة عادية ربما تكون في جيبك. دون النظر إليها، خذ بضع دقائق لتحاول رسم عملة ذات فئة نقدية محددة اعتمادًا على ذاكرتك. قارن الآن بين رسمك والعملة نفسها؛ إلى أي مدى كانت ذاكرتك دقيقة عن العملة؟ مثلًا: هل كان وجه العملة في الاتجاه الصحيح؟ كم عدد الكلمات (لو وُجدت!) على العملة التي تذكرتها؟ هل كتبت هذه الكلمات بشكل صحيح؟
ويشير إلى أن هناك دراسات منهجية أُجريت في هذا الموضوع بالذات خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، واكتشف الباحثون أن معظم الأفراد، في حقيقة الأمر، يملكون ذاكرة ضعيفة جدًّا لأشياء مألوفة للغاية، مثل العملات.
ويمثل هذا نوعًا من الذاكرة نميل إلى التسليم جدلًا بوجوده (ولكنه إلى حدٍّ ما غير موجود فعلًا!) جرِّبه مع أشياء مألوفة أخرى في بيئتك، مثل الطوابع، أو حاول أن تتذكر تفاصيل الثياب التي عادةً ما يرتديها الأشخاص الآخرون في مكان عملك أو الذين تختلط معهم باستمرار.
خلاصة القول، تعد النقطة المحورية هنا هي أننا نميل إلى تذكُّر المعلومات الأكثر بروزًا وفائدة بالنسبة إلينا، فعلى سبيل المثال: قد نجيد تذكُّر حجم العملات أو أبعادها أو لونها مقارنةً باتجاه النقش أو الكتابة على العملة؛ لأن الحجم أو الأبعاد أو اللون قد تكون أهم بالنسبة إلينا عند استخدامنا النقود (أي أهم لأغراض الدفع والصرف التي صُممت النقود لأجلها).
وعند تذكر الأشخاص، سنتذكر عادةً وجوههم وسماتٍ أخرى مميِّزة تبقى ثابتة نسبيًّا (وهى لذلك أكثر فائدة في التعرف عليهم)، بدلًا من السمات التي تتغير (مثل ملابسهم).