إبداعات

  القابض  على الضباب

قصة قصيرة_ د.نجلاء نصير

رن المنبه  في تمام السادسة  ، لن  أتأخر على  موعدي  ..أين رابطة العنق  ربما  بين الاوراق ، فقد  أنهكت  بالأمس  في  الطابور الذي لا ينتهي ،  المحطة  مكتظة  والاتوبيس  به كتل  لحم  ،ركبت بقوة الدفع (يا عم الحاج حاسب البدلة)سقطت ورقة من الملف  طارت عيني  ورائها ،حلقت  من شباك  الأتوبيس تحررتْ من قيد الملف  ، (يا  أسطى  نزلني  ..وسعوا ..( نزلت بقوة الدفع  كما ركبت  ، أين الورقة؟! .. عبرت الشارع  بين  السيارات  ،كأنه يوم  الحشر  ..توقفوا الورقة..أمر من بينهم  أستمع لوابل  من الشتائم  ،وصوت الفرامل  ..الورقة  صعدتْ الكُوبري  ..توقفي  ، الناس  يخبطون  كفًا  على كف وهم ينظرون  إليَ  ،  تستقر  على كوبري قصر النيل  ..(انقطع نفسي)  ألتقطتها كما يلتقط حارس المرمى الكرة ،  حتى انتِ أيتها الورقة المتمردة  تفرين  مني ؟!

أنظر في ساعتي  أهرول نحو الموعد المرتقب ،هل  مظهري على مايرام ؟!سأنتظر  مع المنتظرين  ، يهمس  أحدهم في أذني  هل  أنت  من عائلة  (س)  لم أكترث له  ، كانوا خمسة  وأنا سادسهم ، دخلوا جميعًا  إلا  أنا ، جاءت إلي  السكرتيرة الأنيقة  معتذرة  وطلبت  مني  أن  أمر  في  الغد ..ألملم  أوراقي  وبقايا كرامة  أهدرتها  في الهرولة  وراء الورقة  الطائرة العابرة للكباري  ، شعرت بالجوع  حينها تذكرت أنني لم أذق  الطعام  منذ الأمس ، أدخلت  يدي  في  جيبي  فخرجت  بيضاء  من غير مال  ،  مررت  بجوار  عربة فول   مكتظة  بالزبائن  ، وقعت بين سندان الجوع  ومطرقة  الإفلاس  ، هل  امد  يدي  مع الجمهور، هل سيكتشف  أمري … ، قال لي شيطاني : وهل سيراك  وسط  كل هؤلاء ؟!

مددت يدي  لطبق  به  بقايا  تركه  أحدهم بعد أن حاسب   ؛ فالتهمت  بقاياه  مع قطعة البصل  ، لكنه  شهي  مع البصل فتح نفسي  للمزيد  ،سأنتظر حتى يترك  هذا الرجل  طبقه  ،  تركه خاليًا كأمعائي  ، سيدة تطلب  من صاحب العربة سندوتشات  وقع منها جنيه  ،وسوس إليّ شيطاني  مرة أخرى :أنت  جائع  ومعك  الجنيه  فاغتنم الفرصة .

لم أشعر بنفسي  ،هرولت ورائها  هذا الجنيه سقط  منك  يا أمي  ،شكرتني  وأخذته  عدت  لعربة الفول ،فوجدت  صاحبها  يمدني  بطبق  من الفول  والبصل  وأرغفة  من العيش  وقال لي :نورت  يا ابني  طلب  كل  يوم  تفضل  . أكلت  حتى  شبعت  وشكرته  على فعله  الطيب وقلت له  :  ليس  معي  مال  ،قال  : رأيتك يابني  تأكل على استحياء  بقايا طبق رجل   ،وشاهدتك  وأنت تهرول وراء  الحاجة  لترد إليها الجنيه  ، فشاب مثلك  بهذه الخلق  له كل الاحترام ، أكرمني  الله  بكونك ضيفي  اليوم ؛ دمعت  عيناي   وخلعت  رابطة العنق  ووضعتها في جيبي  ، شكرته  ،وجرجرت  رجلي  ،وجلست  على  الرصيف ،  طوفان  الدموع غلب  شجاعتي وأغرق الملف  ، فتحته  ونظرت للورقة المحلقة  التي  أجهدتني  فوجدتها شهادة التخرج  ،اقتصاد وعلوم سياسية  _أول  الدفعة _ التقدير  امتياز.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى