مكتبة الإسكندرية تناقش (مستقبل السياسات العامة في عالم ما بعد كورونا)
كتبت-هالة ياقوت
نظم مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية حلقة نقاشية بعنوان «مستقبل صنع السياسات العامة في عالم ما بعد كورونا» ،دار النقاش حول أبرز التحديات الحالية أمام صناع السياسات، خاصة في مصر، في مواجهة تداعيات الأزمة، ومسارات التحرك من أجل صياغة سياسات عامة ناجعة ومرنة قادرة على مواجهة مستجدات ما بعد الأزمة. استضافت الحلقة النقاشية الدكتورة هالة القاضي؛ نائب رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمشرف العام على المجالس النوعية التابعة للأكاديمية، والدكتور جمال عبد الجواد؛ عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ورئيس وحدة السياسات العامة بالمركز، والدكتورة إنجي محمد عبد الحميد؛ مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وأدارت النقاش الأستاذة ريهام صلاح؛ الباحثة بمركز الدراسات الاستراتيجية.
استهلت الدكتورة هالة القاضي كلمتها بالحديث عن دور المجالس النوعية التابعة لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مواجهة الجائحة؛ وقالت أن المجالس رصدت التأثيرات المباشرة لانتشار فيروس كورونا المستجد على بعض القطاعات والمجالات الرئيسية مثل الصحة، والتعليم والبحث العلمي، والمجالين الاجتماعي، والاقتصادي، والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، والصناعة والتجارة، والبترول والثروة المعدنية، والسياحة والأنشطة الترفيهية، وحركة الطيران والنقل، ومجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وطرحت المتحدثة عددا من السيناريوهات المستقبلية المحتملة لانتشار الجائحة بهدف وضع تصور مستقبلي لما يمكن أن تكون عليه المجالات والقطاعات المختلفة لما بعد الأزمة. تمثل السيناريو الأول في التوصل لمصل للوقاية أو علاج للإضافة في مدى زمني قريب؛ والسيناريو الثاني هو استمرار الوباء كما هو بدون انقطاع أو ظهوره أو اختفائه بشكل موسمي مع إمكانية اكتساب مناعة طبيعية، وجاء السيناريو الثالث في استمرار الوباء مع عدم اكتساب مناعة طبيعية أو ظهور نوع آخر من الفيروس أكثر تحورًا طبيعيا أو مخلقًا.
ومن جانبه، أكد الدكتور جمال عبد الجواد؛ عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن جائحة كورونا ينطبق عليها كل العناصر الخاصة بتعريف الأزمة؛ فهي تطور مفاجئ وسريع للأحداث يتطلب التدخل ورد الفعل السريع، وفي الوقت ذاته يتسبب في مخاطر كبيرة تشمل عدة قطاعات؛ هذا بالإضافة إلى فرض درجة عالية من عدم اليقين حول طبيعة التهديدات المستقبلية ومدى تطورها. وأمام هذه الأزمة، تنقسم ردود الأفعال ما بين ارتباك بعض الدول وعدم قدرتها على اتخاذ القرار المناسب، وقدرة دول أخرى على قبول هذا التحدي وتحويله إلى فرصة تقوم باستثمارها.
وأشار أيضًا إلى أن أزمة كورونا فرضت دورًا أكثر مركزية للدولة ومؤسساتها للتصدي لهذه الأزمة وفي المجتمع، وهو ما ساهم في تضاءل الجدل بين دور الدولة ودور المؤسسات الأخرى الأهلية خلال فترة الأزمة، وقد يمتد هذا التطور في العلاقة ما بين الدولة ومؤسسات الأخرى لما بعد الأزمة في العالم كله. وفيما يتعلق باستجابة الدولة المصرية لأزمة فيروس كورونا، فمن الواضح أنه كان هناك اعتراف بالطبيعة العلمية اللاسياسية لهذه الأزمة، ومن ثم كان هناك اعتماد أكبر على الخبراء مقارنة بالاعتماد على الرأي السياسي. ولأول مرة خلال الفترة الأخيرة، تصدر الخبراء والتكنوقراط والتقنيون المشهد في توصيف الحالة ورسم السيناريوهات المستقبلية، ومن ثم إعادة صياغة السياسات وتعديلها في ضوء تلك البدائل.
وفي ضوء تأثير جائحة كورونا على التنمية المستدامة، قالت الدكتورة إنجي عبد الحميد؛ مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أزمة كورونا جاءت كاشفة عن حجم اللامساواة على مستوى العالم، وخاصة في البلدان النامية والأقل نموًا، وعلاقة ذلك بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو ما يثير المخاوف من تراجع المكاسب التي حققها المجتمع الدولي في السنوات الثلاثين الأخيرة في قضايا تنموية كثيرة على رأسها الفقر المدقع والجوع ومكافحة التسرب في التعليم وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. ومن ثم تصاعدت الدعوات من أجل إعادة دور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية وتقديم الخدمات الأساسية لكافة المواطنين. ونجد أنه في ضوء التغييرات التي شهدتها مصر جراء الأزمة، هناك عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطنين والقطاعات الأخرى. في مصر، أظهر القطاع المدني تعاونًا جيدًّا مع الدولة في مواجهة الأزمة، خاصة في مجالات الصحة وتقديم المساعدات المادية العاجلة للأسر الأكثر تضررًا، هذا بالإضافة إلى العمل حاليًّا على إعداد تقرير التنمية البشرية في مصر؛ تحت عنوان «التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار». لكن تظل الفئات الأكثر هشاشة، بحاجة إلى مزيد من التدخل وإعادة النظر لمراعاتها ضمن خطط واستراتيجيات الدولة.
في نهاية اللقاء، أكد المتحدثون على أهمية دعم مخرجات ونوعية البحث العلمي في مصر، خاصة العلوم الاجتماعية وقضايا الأمن الإنساني والدراسات المستقبلية والاستشرافية، وأهمية الدفع نحو مزيد من التعاون بين المؤسسات البحثية ومراكز الفكر لدعم عملية صناعة القرار ومن أجل صياغة سياسات عامة ناجعة ومرنة قادرة على مواجهة مستجدات ما بعد الأزمة وما ورائها.
جدير بالذكر أن سلسلة الحلقات النقاشية التي يقدمها مركز الدراسات الاستراتيجية تهدف إلى مناقشة مستجدات الأحداث السياسية والاقتصادية والمجتمعية على الساحة العربية والعالمية من منظور استراتيجي، وتبث مباشرة عبر صفحة الرسمية للمركز على موقع فيس بوك للتفاعل مع المتابعين وطرح أسئلتهم على الضيوف المتحدثين.