قلم زينب
بقلم – دكتور صالح الشحري:
لأول مرة اقرأ للكاتب السوداني الطبيب الروائي أمير تاج السر، رغم انه اسمه بدأ يتردد في فضاء الرواية العربية منذ فترة ليست بالقصيرة، نظرا لوصول أكثر من رواية له إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.
و منذ كان الروائي “الطيب صالح” يبدع رواياته ذات النكهة السودانية الحارقة، لم يتح لي ان اقرأ رواية سودانية، لكن هذه الرواية التي قال كاتبها انها سيرة روائية ربما على سبيل الخداع، و ربما فقط ليقول لنا ان الواقع أكثر غرابة من الخيال.
الرواية لم تزد عن ١٢٠ صفحة، شكلت لي مفاجاة مثقلة بمتعة خالصة، و لجاذبيتها الشديدة فقد ضبطت نفسي و أنا أتمهل عندما انتهي من كل صفحة كي أعيد تذوق سحرها و كي استبطء النهاية، و كثيراً ما اجد نفسي أعاتب نفسي إذ اضبطها تستمتع بمعاناة الناس و حياتهم البائسة، و لكن ماذا افعل اذا كان أمير قد نحت من واقع شديد المرارة صورا بليغة التعبير عن حياة المهمشين الذين يملأون السودان، والذين منهم عشرات “ادريس علي” بطل الرواية بالمطلق الذي ظهر طيفا في بداية احداثها ثم غاب تاركا افعاله تبدع الأحداث و تتلاعب بالناس،.
“ادريس علي” اكثر من و احد بل ربما عشرات بعضهم في السجون، منهم الأطفال الذين يشبون فجأة ومنهم من أغلق عليه السجن فاه منذ سنوات واغرب “ادريس علي” هو تلك المرأة التي تريد ان تتحول إلى رجل، ولم يبق بينها و بين أن تصبح رجلا إلا الجراحة.
المهمشون الذين يتحايلون على بؤسهم باستغلال الآخرين، و الآخرون يشاركون عن وعي او عن طيبة أو عن خبث في التغطية علي الجريمة، او تحملها والتغاضي عن فاعلها، خاصة اذا جاءت في قالب طريف من الفهلوة التي قد تقتل أحيانا، و قد تغلق احيانا آخر عيادات أطباء، و لكنها تبهج عروسين ليس اكثر امتاعا لهما من ركوب عربة تحملهما في جولة في بور سودان، و قد تُحقق لعائلة تنوي الحج اقامة أفضل من إقامتها في الفنادق المرموقة، و كما تتواطؤ طبقة المهمشين لحماية أفرادها من العقاب فإنها تضفي علي حياتها بعض سحر الخرافة و الغرائبية التي تمنحها السلوي و بعض السكون.
الرواية مجموعة من لوحات تصور زوايا مختلفة للمأساة لكن في قالب غير مأساوي، فلا يعتاد الناس علي كوارث الحياة، تفقد الكوارث فعلها المأساوي فيهم و تتحول الي مثير لخيالات سعادة لا تأتي إلا علي شكل حكايات نزجي بها أوقاتنا لتمنحنا قدرا من السلوي و العزاء.
و هكذا يستطيع المجتمع السوداني ان يزودنا بألف ليلة و ليلة لحكايات برائحة العود و البخور الأفريقي و لكن كل ذلك لا يغطي علي رائحة العرق الآدمي لاناس حرموا الا من التعب و الشقاء.