الأخبار الثقافيةمقالات

الكاتب المبتدئ والبحث عن المعنى

بقلم- رزان البكر:

في طفولتي كنت احب الكتابة لكن لم اشعر بالفائدة مما اكتب وهذا ما جعل الكتابة صعبة علي عندما كبرت قرأت اقتباساً لاحلام مستغانمي “لا أصعب من أن تبدأ الكتابة في العمر الذي يكون فيه الآخرون قد انتهوا من قول كل شيء” وشعرت انها تصف ما اشعر به -وهذه هي وظيفة الكُتاب الأساسية-

وحين اعدت التفكر بما اعني بالفائدة أصبحت صياغتي للسؤال كالاتي : 

ما المعنى مما نكتب ؟ ومازلت اصغر من أن املك الجواب لكني اراهن ان هذا السؤال قفز الى ذهن كل كاتب استثني منهم الكُتاب في وكالة القيام بالكتابة لحدث محدد

فاثناء عملي في كتابة المحتوى بشكل مستقل لم يشغل بالي هذا السؤال كما الان وانا اسرد بحرية مقال او خلال العمل على مجموعة قصصية أخرى

التساؤلات كعادتها تفتح باب الابتكار كلما حرص الكاتب على المعنى المثري للقارئ زاد احتراماً لنفسه وقد يقع بفخ الغرور لكن الكاتب المغرور ليس محور الحديث هنا فانا اخاطب الكاتب المبتدئ الخجول العالق بين اسئلته 

فعليه ان يدرك من خطابي ان الكاتب لا يولد وهو مدرك للمعاني كلها ماهر في الاسقاطات العميقة يصور المشهد بسطور ويخلق للقارئ قصة يحبس بين سطورها بسعادة حتى بعد انهاء السطر الأخير منها 

وعلى الكاتب ان يصل بعد اداركه لهذا انه لن يولد كاتباً عظيماً وعليه ان يكتب حتى يكون منهم  وعليه ان يتحلى بالشجاعة للنشر ليقف امام الجمهور -اياً كان عددهم – ويقول هذا ما كتبته ويتقبل الثناء والنقد 

وبهذا يفلت من داء المثالية العضال الذي يبقي سطوره مخفية وفي اسوء الحالات قد يمحيها او يحرقها دون ان يقرأ له احد فاعراض المرض تتمثل في وجود ناقد داخل الكاتب وكانهم روحين في جسد وتلك الروح لا ترضى سوى بالمثالية 

وعند كتابة كل سطر ترى بان هنالك الف طريقة لصياغته وعندما لايقدر الكاتب على ان يأتي بالالف طريقة تزداد الروح خبثاً تقارنه باسلافه من الكُتاب تقنعه ان لا موهبة له ولا مجال للتحسن قد تستحضر الروح أسماء كبرى لتسحقه بها وعندما يغمره الخجل من كل ما سطر قلمه ويتوب عن الكتابة فالروح الناقدة حرمت عليه الكتابة رغم الاباحة ونسى الكاتب ان كبار الكُتاب خجلوا أيضا من أولى اصداراتهم 

لكن هنالك صوت بداخل كل كاتب ينادي عليه ليكتب بالاصغاء لدواخلنا نستطيع ان نعلم وفي رحلة البحث عن المعنى نتعلم

ان الكتابة توثيق فسطورك ستعيش اكثر منك غالباً وستحلل وتناقش ويستشهد بها وتقتبس وان المشاعر لها حق الالهام ابسط شعور صادق يخلق الهام للكتابة وبالممارسة والاطلاع المستمر تستمر مسيرة الكاتب وما دام مهتماً بخلق المعنى سيتجلى من بين أصابعه وينطلق وقد تكون في قصيدة بوكوفسكي المفضلة لدي ( تريد أن تصبح كاتباً ) سطراً للكاتب المبتدئ يوصي به : 

إذا كان عليك انتظارها
لتخرج مدويّةً منك،
فانتظرها.. بصبر.
إذا لم تخرج منك أبداً،
فافعل شيئاً آخر.

الصبر يصقل الكاتب والصدق بالرغبة هو السر كما يمكنه دوماً العودة لتلك القصيدة بين نوبات الحيرة 

ويمكنه أيضا ان يتعلم منها فن التوقف

وان كان هنالك جواب للسؤال في مطلع المقال فلن يكون بحوزتنا لا انا ولا انت

انه ملك للمستقبل علينا ان نكتب ونرى أي معنى نملك ولن يكون معنى واحد لكل من يقرأ معنى خاص لذا فالنصيغ المعاني وكفى بان نكون على قيد الكتابة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى