أخبار الأدب -الدوحة- كتارا
ضمن فعاليات شارع ابن الريب الثقافي، استضافت مكتبة كتارا للرواية العربية وبيت المغرب الثقافي، في أمسية انيقة أقيمت يوم السبت23 يناير الجاري وناقشت الرواية المغاربية من خلال رؤيةالمبدعين المغاربة المغتربين، وحظيت بمشاركة فاعلةمن كتاب ومثقفين ينتمون الى خمس دول مغاربية هي: ليبيا، المغرب، تونس، الجزائر وموريتانيا.
ادار الجلسة خالد بن ذياب المهندي مدير مكتبة كتارا للرواية العربية، وشاركه في التقديم سعيد دهري المدير التنفيذي لبيت المغرب الثقافي، كما شارك في الجلسة كتاب ومثقفين من دول عربية خارج الإقليم المغاربي مما زاد من الق الجلسة.
بدأت الجلسة بتجارب سردية لمبدعين مغاربة، فتحدث كلاً من: احمد فال ولد الدين روائي موريتاني وإعلامي بشبكة الجزيرة، فايزة علاق إعلامية وروائي جزائرية، أحمد إسَلمو كاتب وإعلامي موريتاني، مصطفى فرحات كاتب وإعلامي ومترجم جزائري، وأخيراً محسن العتيقي كاتب مغربي.
وأحدثت مداخلة للأستاذ خالد عبد الرحيم السيد المشرف العام على جائزة كتارا للرواية العربية تحولاً في مسار النقاش من بنيوية الرواية المغاربية الى جغرافية المكان وتأثيرها على السرد المغاربي مشيراً في هذا الصدد الى أن الرواية المغربية ظلت حبيسة مناقشة الاستعمار الفرنسي، وما خلفه من آثار على الذاكرة الجمعية للمبدعين المغاربة، ولم يستطيعوا تجاوز هذا الاطار الا في أعمال قليلة، وذلك من خلال ملاحظة مايرد من مشاركات في جائزة كتارا للرواية العربية طوال الست سنوات الماضية.
وأوضح السيد أن الرواية العربية لم تتخلص من التأطير في كثير من دول المنطقة، فبينما لاتزال الرواية المغاربية حبيسة كوابيس الاستعمار الفرنسي، فان الرواية السودانيةلم تنفك من اسر الهجرة والغربة على غرار ماسطره الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال، فيما انشغل الروائيين في دول الشام خلال السنوات العشر الماضية بالكتابة عن الربيع العربي ومآلاته المنتظرة.
وأضاف:بدأنا نلحظفي الدورات المتعاقبة لجائزة كتارا للرواية العربية حدوث تطورات مضطردة في بنية الرواية المغاربية والخروج تلقائياً من اسر الاستعمار الفرنسي الى فضاء البيئة المحلية الغنية بالتحولات والمشاكل الآنية التي تحتاج الى رؤية سردية لمعالجة الكثير من الظواهر المجتمعية في بيئات الدول المغاربية، معرباً عن اعتقاده بأن دول المغرب العربي غنية بالنقاد أكثر من الروائيين ودلل على ذلك فوز خمسة نقاد مغاربة بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الأولى عن فئة الدراسات النقدية، وربما يكون لهؤلاء النقاد دور في توجيه دفة الرواية المغاربية للخروج من لجة الاستعمار الفرنسي.
واعرب المشرف العام على جائزة كتارا للرواية العربية عن اسفه من أن الرواية العربية لاتزال في البداياتولم تتحول الى صناعة بحيث يمكن أن تشكل رافداً مهما في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية اذا احسن التعامل مع هذا الفن من خلال تسويق الأعمال الإبداعية خارج المنطقة العربية وتحويل الروايات الى اعمال درامية في السينما او المسرح، مشيراً في هذا الصدد الى تجربة كتارا للرواية العربية في ترجمة الاعمال الفائزة الى لغات اجنبية ليسهل تسويقها خارجياً بالإضافة الى مبادرات تحويل بعض الروايات الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية الى المسرح الروائي وتم في هذا المجال تحويل رواية واسيني الاعرج “مملكة الفراشة”الى مسرحية روائية حظيت بقبول كبير من قبل الجمهور.
وأثارت مداخلة المشرف العام على جائزة كتارا للرواية العربية الكثير من ردود الأفعال، وعلق أحمد إسَلمو الكاتب والإعلامي الموريتاني بقوله: ان اهل المشرق لايبذلون أي جهد في محاولة فهم اللهجات المحلية للمغاربة، ومن ثم تذوق انتاجهم الادبي، لأنهم يعتقدون أن الكتابة المغاربية ستكون غير مفهومة مثل لهجات اهل المنطقة، وهذه مجرد صورة ذهنية مغلوطة عن الإنتاج المغاربي.
واستطرد قائلاً: لذلك لو استطاع المشارقة كسر هذا الحاجز، ستصل الرواية المغاربية الى كل المنطقة العربية وتنافس بقوة، وذلك لأن الرواية المغاربية غنية بالاخيلة والصور البديعة.
وقالت الإعلامية خديجة أولاد عدي أن سكان شمال افريقيا تاريخياً أغلبهم ان لم يكن جميعهم أتوا من المشرق عبر هجرات تاريخية معروفة لقبائل عربية بعينها، ومن بينها الهجرة الهلالية (بنو هلال) في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، لذلك فان إحساس المغربي بالانتماء للمشرق هو إحساس صادق، يحعل الارتباط بين القطبين (المشرق والمغرب) بما يشبه الحبل السري.
من جانبه قال احمد فال ولد الدين الروائي الموريتاني أن ازدواجية التعليم باللغتين العربية والفرنسية في بلاد المغرب العربي فرضت على دول المنطقة تحد كبير قاد الى أن يتقن سكان المنطقة اللغتين معاً، ولكن هذا لايمنع أن المغاربي يكتب بشكل سلس، وما نحتاجه فقط هو تنحية الصور النمطية عن بعضنا البعض سواء مغاربة او مشارقة، لنتقارب أكثر، مشيراً الى ان الصورة النمطية عن المغاربي في ذهن اهل المشرق ليست جديدة وانما هي قديمة، وقد عانى منها ابن حزم رحمه في الاندلس من قبل ووثق معاناته شعراً بقوله:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة . . . ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
من جانبه نفى عبد العزيز السيد وجود أي تهميش للإنتاج المغاربي في المشرق العربي بل على العكس ينظر اهل المشرق الى الفكر المغاربي الى انه فكر ناضج جداً لقرب المنطقة جغرافياً لمراكز الحضارة الاوربية، ولكنه يرى أن الإنتاج المغاربي ينقصه التسويق الجيد كما يرى أن تحويل الروايات للدراما يتيح لها فرصاً أوسع في الانتشار والذيوع واقرب مثال على ذلك الروايات المصرية التي تحولت الى أفلام منذ عقد الخمسينات والى عقد الثمانينات من القرن الماضي وكان لها اثراً كبيراً في شهرة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم، ولو استطاعت الرواية المغاربية أن تسير في هذا المضمار حتما ستكسر الحاجز مابين الشرق والغرب.
وأرجع الدكتور محمد بريش الخبير في الدراسات المستقبلية تشرب الروايات المغاربية بالحس او النمط الغربي وتحديداً الفرنسي يرجع الى التعليم المزدوج باللغتين العربية والفرنسية، واتجاه المغاربة الى قراءة وهضم الروايات الفرنسية لأتقان اللغة، ولكن هناك اتجاه آخر في الرواية المغاربية سار باتجاه نقد المجتمع وتلمس مشاكله، مؤكداً ان النظرة الى موضوعات الرواية باتت مشوشة لأن الرواية الاصيلة ذات الأهداف أصبحت مهمشة، كما ان اتحادات الكتاب في معظم الدول العربية اشتغل أعضائها بالسياسة اكثر من اشتغالهم بالادب وبالتالي فان الروائي يجد نفسه في دوامة من الصراعات والتجاذبات لابد ان تنعكس على انتاجه الادبي.
وقالت الإعلامية سمارة القوتلي أن هناك تقصير كبير في حق المبدعين المغاربة، والاعلام العربي مسؤول عن هذا التقصير، وقد يتطلب الامر الى ان نبذل جهداً اكبر للتعرف على الابداع المغاربي، وفي نفس الوقت على الكتاب المغاربة تسليط الضوء على أنفسهم، لتجسير الهوة بين الشرق والغرب، مشيرة الى ان وجودها في هذه الجلسة بين مبدعين من جميع دول المغرب العربي يجمع بينهم حب الادب والفن كفيل بأن يجمع الشامي بالمغربي، في إشارة الى المثل الشهير للدلالة على التباعد بين شيئين: ” ايش لم الشامي على المغربي”.
وكانت جلسة بيت المغرب الثقافي قد بدأت باستعراض تجربة الكتاب المغاربة، وقال احمد فال ولد الدين الروائي الموريتاني ان تجربته الروائية ولدت جميعها في رحم الغربة وتحديداً اثناء وجوده في قطر.
وقالت فايزة علاق الإعلامية الجزائرية ان اول رواياتها بعنوان” عجيبة” كتبت وطبعت في قطر بتشجيع من الأستاذة عائشة الكواري صاحبة دار روزا للنشر.
ويرى الكاتب المغربي محسن العتيقي أن الحياة الهادئة في الدوحة قد لاتشكل حافزاً للكتاب المغتربين وبحسب اعتقاده ان الحياة الصاخبة هي التي تشكل حافزاً ومحرضاً على الكتابة .
وحدد الناقد عامر ابوعزام اتجاهين سارت عليهما الرواية المغاربية، وهما الكتابة على نسق الغرب، او الكتابة من خلال استلهام التراث العربي، وبالنسبة لبلده تونس فان محمود المسعدي يعد رائد الكتابة السردية المستلهمة من التراث العربي، بينما اتخذ البشير خريف مسار الكتابة على خطى الرواية الغربية.
واستعرض أحمد إسَلمو الكاتب الموريتاني، تجربته في الكتابة والتي بداها بكتابة القصة القصيرة
لمدة عشر سنوات وبعدها كتب روايته الأولى “حياة مثقوبة”، مشيراً الى ان الرواية في موريتانيا تعد حديثة نسبياً حيث ظهرت اول رواية موريتانية في العام 1981 ، واعقبتها رواية عام 1987 وفي عام 1996 صدرت رواية “مدينة الرياح” التي نقلت الرواية الموريتانية الى آفاق ارحب، وخلال العام الماضي 2020 فازت 3 روايات موريتانية بجوائز عربية مرموقة.
وتحدث مصطفى فرحات إعلامي ومترجم جزائري على أهمية الترجمة في مساعدة الرواية العربية على الانتشار على الصعيد العالمي، لأنها لاتزال تحبو وتحصر نفسها في نطاق الإقليمية.