براح الحرف
بقلم- حاتم مرعي:
قراءة فى ديوان ” بلابل صاج” للشاعر محمد خميس، يمتلك محمد خميس فى خزائن روحه مايسمح له بالتدرج من مراحل العقل ثم القلب ثم الروح محاولا إدراك حقيقة ما ،الشعر وسيلته للسمو بالروح أو لتحقيق نشوة روحية من خلال ذات منقسمة مابين
عالمين، عالم الواقع بما يحمله من قسوة وجهامة، وعالم الحلم بكل مايحمله من شفافية وإشراق، وظيفة الصورة الشعرية هى صناعة التداخل والتوحد بين الذات والطبيعة، كما بين المادة والروح.
ومابين “الرؤيا ” بمعنى الحلم، و”الرؤية”بمعنى المشاهدة بالمعنى الحسي والعقلي، بلغة رمزية، إشارية، تلمح ولا تصرح، حميمية وقريبة، قاموسه
الخاص المنتمي للعربية الأم، وللدارجة المصرية بكل ماتحمله من موروث لذلك فالجملة الشعرية مشحونة بالإيحاءات ولها وقعها الخاص، يجنح إلى التكثيف الوجداني ويبتعد عن الغموض والتعقيد حتى لو ُشبع بالرموز والدلالات، يمتلأ بعاطفة متوهجة ومعان
صوفية.
تتجلى فى نصوص محمد خميس فصاحة العامية المصرية وبساطتها وعمقها الدلالي المتجاوز للشفاهية والمنتمي إلى العامية الجادة، فى ديوانه بلابل صاج، بداية إنطلاق تجربته المحملة بكل هذه الطاقات الجمالية ، يقول حضرة شيوخ البسملة
وِرد الليالي المهملة طقس الخروج م المرحلة الحرف وحده للبراح الحرف حد الأسئلة .
هل الحرف هو المعادل الموضوعي للروح أم هو وعاء الروح؟، نرى فى قصيدة خط بياني للطلوع بالروح ، الصعود التدريجي من مرتبة الجسد إلى مرتبة الروح،
وفى ظني لايمكن طرح رؤية عن تجربة محمد خميس إلا فى إطار عموم تجربته بداية من هذا الديوان وحتى ديوانه الأخير غزال ماشي.
فى صحرة روحي عن هيئة الكتاب ٢٠١٧ ، والذي يقول فيه:
ماسبت عيني
للتفاصيل تنتهك حلو الإجابة
أنا سبت قلبي يمتلك كل السؤال .
ليس الشعر سوى ذاك الكيف الملبد بالسؤال ،والشعر فى أحد تعريفاته هو استبطان لما يمكن من اللا ممكن ،وهو شرود وانفلات من المؤقت والزائل إلى الأبعد واللامحدود،الشعر هنا يمتزج بالأسئلة الوجودية والميتافيزيقا.
عالم بلابل صاج له ملمحه الصوفي والحياتي والفلسفي، يمتزج فيه الحلم بالواقع ،يبحث عن الإيحاء والشمول، يقول الطابور طويل زى المناديل الفلوره بس الفل المتحنتف فى إيدين بياعة ع الكورنيش مش هوه الفل المرشوق فى حضن جبل المقطم .
فى هذا النص تتجلى أيضا محاولات التجريب لخلق مفارقات مدهشة ، اللغة الشعرية تطرح مستويات متعددة من الاستخدامات الجمالية والإيجاز اللفظي ،والدلالة الرحبة، يقول فى قصيدة انفلات:
ولاكنتي باللون البرونزي
ولا كنا فى الضيا قصدير
الضل مش ضلين
الزيت فى قنديله انطفى
جوه العروق مال ،اكتفى
البحر مش عتمات
الضلة مش لفحات
الفجر مش فجرين
لو تسمحيلي انفلت