الأخبار الثقافيةمقالات

في بيتنا رجل

بقلم – دكتور صالح الشحري:

بتأثير تغريده لأحد الأصدقاء عن فيلم “في بيتنا رجل”، المأخوذ عن رواية للكاتب  “إحسان عبد القدوس” وهو كاتب سياسي اجتماعي كان مشهورا بين الشباب في تلك الآونة، لكونه رجل وطني دخل في سجالات مع الانجليز ثم مع الملكية في مصر حين فضح الأسلحة الفاسدة التي دخل بها الجيش المصري الحرب عام ١٩٤٨.

لا استطيع ان افتي في أدبه، اذ لم اعمد يوما إلى رواية له فأقرأها ، بالطبع إلا ما كان يكتبه مسلسلا في عدد أهرام يوم الجمعة، واتذكر له أكثر من رواية مثل “لن اعيش في جلباب أبي” و “أعطنى هذا الدواء”.

الأمر الذي جعلني أبحث عن الفيلم ما قرأته من قديم، حيث تدور أحداثه حول “حسين توفيق” أحد الثوار المصريين الذى اتهم باغتيال “أمين عثمان” السياسي المتواطئ مع الإنجليز، فسر الفيلم لي لماذا كان ادب “احسان عبد القدوس” جماهيريا  فالحبكة بسيطة غير معقدة  و رسالة العمل الفني واضحة لا تعقيد فيها.

ومن هنا تساءلت لماذا كان النقاد في مصر يتعاملون بفوقية مع “احسان عبد القدوس”،  فالنقاد يبحثون عن العمل الأكثر عمقا، بمعنى أن هذا الوطني الذي اختبأ في بيت اسرة مصرية، لو تزوج سرا من ابنة العائلة التي أحبته، سواء بترتيب من أهلها ليبرروا وجود رجل غريب لم يكن مألوفا وجوده بينهم أو خفية.

حيث فرض تأزما في العلاقة مثلا بينها و بين أهلها، ولو ظهرت عليها بوادر الحمل بعد مغادرته بيتهم وكان لابد من ظهوره لينقذها من قول السوء، وبالتالي يسقط في قبضة البوليس السياسي، و تنتهى حياة مناضل بالسجن بعد اعمال بطولية، احترام التقاليد العربية أدى الى دخوله السجن، لأصبح العمل هنا عملا مقدرا ولا احتفى به النقاد،  ولكن بسبب تعقد حبكته الروائية  انه خلق مجموعة صراعات، يبدأ بالصراع مع الديكتاتور، وينتهي بالصراع داخل كيان الاسرة مع الاعراف و التقاليد  والصراع على السمعة داخل المجتمع.

ولكن اعمال “احسان عبد القدوس” لم تكن تراعى مزاج النقاد بقدر ما تراعى رأيه الشخصي و مزاجه السياسي، وذوق الجماهير، و كلها كانت متحققة في أعماله، ولعل ما اراح “احسان” من التفكير في النقاد أنه كان رجلا يتسابق الصحفيون على رضاه، باعتباره ابن السيدة “فاطمة اليوسف” التي أنشئت دار روز اليوسف الصحفية، و التي رعت الكثير من الصحفيين  واتاحت لهم فرص النجاح، وبالتالي فقد كان مستغنيا عن رضا النقاد.

أعود إلى الفيلم، لا اظن ان الفيلم على اليوتيوب يتعرض لمقص الرقيب، و بالتالي تستطيع الحكم على مشاهده كلها بأنها كانت مهذبة جدا، و ليس فيه ما يتملق الغرائز  لأغراض تجارية، فهو عمل محترم ذو رؤية وطنية، الغريب أن بطل الفيلم المطارد و رفاقه لم يستغنوا عن الأناقة المفرطة، فالسيارات الفارهة، و البدل الجميلة مع ربطات العنق.

والبطل عمر الشريف يحلق ذقنه يوميا رغم انه مطارد، و قد ظننت ان المخرج تعمد ذلك عندما كان البطل مختفيا في بيت عائلة صديقه، ليعطي المشاهد الانطباع ان الرجل كان يتصرف كفرد من الاسرة هيئت له كل حفاوة الضيافة، و لكنه حتى ورغم خروجه من عند اسرة صديقه إلا انه ظل محافظا على ذلك، وهذا غريب فالمطارد يعمد إلى التخفى و اطلاق شعراللحية يساعد على ذلك، ولكن ربما كان هذا من أسرار الجماهيرية.

حيث يريد الجمهور أن يرى نجمه على احلى صورة حتى و لو كانت هذه الصورة مخالفة للواقع، و بشكل يضعف مصداقية العمل الفني ، تخيل أن كل مشاهد البطل انى كان كانت تظهر كم قميصه تحلى برابط الكم cufflinks””،  و ليس اكثر من هذا بعدا عن الواقع إلا إظهار الثائرين على صورة أبناء الطبقة الغنية و قد بدى الترف على سياراتهم و بيوتهم و ملابسهم.

وأخيراً، على أي حال فإن الفيلم يستحق المشاهدة، و عبارة البطل الأخيرة التي دفعته للعودة عن الهرب الى خارج مصر تبقى في الوجدان، حين يتساءل: “أيهما أفضل الموت في مصر أم الحياة خارج مصر؟”، اعتقد البطل انه سيبقى خارج بلده محروما من الحب لأن الحب يعنى الوطن، ربما كانت تلك رومانسيات زمان الطيبين التي لم تعد تجدها الا في ذاكرة الأيام الجميلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى