الإعلامية
بقلم- دكتور صالح الشحري:
“نوران سلام” إعلامية عملت في مجموعة من القنوات التلفازية و منها الجزيرة، تكتب رواية عن الإعلاميات، أهم ما في هذه الرواية أن كاتبتها تنتمي الي المجموعة التي كتبت عنها، بمعني خبرتها فيما وراء الكواليس، ظهرت كتب كثيرة عن دور الاعلام في تغطية الحقيقة و ما تعنية التغطية من متضادين أحدهما الإبانة و ثانيهما الإظلام .
إذن كيف سيكون الإعلامي الذي يكشف عن الخفي من الحقائق و يستر غيرها، في العصر الرأسمالي يُسترق فيه الإعلامي لصاحب رأس المال، أي لصاحب المنشأة الإعلامية التي توظفه و للمعلن الذي ينشر في القناة الإعلامية التي تحشد حولها المشاهدين، أما كيف تحشد القناة الإعلامية المشاهدين فهو عمل لا خلاق له يبدأ بالإثارة الجنسية و ينتهي باستخدام الدين و رجال الدين و كل من لديه استعداد لبيع ضميره، و بيع الضمير إما أنه لغاية الاستكثار من الدنيا بمعناها الدنيئ و إما لانه أضحي وسيلة العيش المتاحة للبعض.
هل ينتهي استرقاق الإعلامي عند صاحب القناة والمعلن، لا بالطبع، فالأنظمة القمعية تسترقة بل وتغتصبه، أيضا لرأسمالية منها و غير الرأسمالية، و إذا نظرت الي الدولة القمعية هذه فإنها أيضا ذات سرادقات، و كل سرادق له إعلاميوه الذين استرقهم إما بلقمة العيش و إما بالفضآئح، و لحسن الحظ أو لسوءه، و حتي تظهر الفضآئح و ينتهي بعض المفسدين فأن سرادقات الدولة لها ما تتنافس عليه وما تتصارع عليه و الإعلاميون هم وقود هذا الصراع و مشعلوه أيضا.
إضافة الي هذه الحياة التي تبدو متألقة عند الناجحين من الإعلاميين، الذين يسميهم البعض نجوما، فهم أيضا مسترقون لخبراء المكياج و صانعي خطوط الموضة، و خبرآء التغذية الذين يتخصصورن في تنمية الأرداف و أحيانا الشفاف، و لأطباء التجميل من السلطة علي النجوم جانب، و إذا أخفق النجم في ارضاء أخصائي التغذية و أطباء التجميل و المزينين و لكنه لا زال يملك قدرا من الجاذبية ففي القنوات الدينية متسع.
حيث هناك ما يستر كروش المقدمة و تضخم القاعدة، و هناك الكثير من إسلام السوق، حيث الموضوعات الجاذبة باسم الدين و ما تتضمنه ألفاظها المتحجبة من دعارات جسدية و فكرية لها من يجيدها من مشايخ، السوق عايز كده حتي لتتحول قناة الإيمان الي قناة اليمان، في رمز بارع من رموز الرواية الكثيرة.
برعت الكاتبة في كتابة رواية جآءت في موعدها صادمة رغم أن صدمتنا بالواقع أشد، كما و أن ما أغفلته بذكاء كان أبلغ تعبيرا مما لو ظهر بجلاء، كسردية تحول اخيها عن طبقته الراقية ليلتحم بالطبقة البسيطة بزواجه من إبنة المكوجي و تحوله الي ورشة ميكانيكا السيارات و هو الحاصل علي تأهيل جامعي رفيع من إنكلترا .
ثم اكتشاف المذيعة التي استيقظت -حين انحسرت عنها الأضواء الي انها تتاجر بالناس و يُتاجر بها- أن حياة أخيها كانت الحياة الرضية التي يعيش فيها الإنسان بصدق، فكرة و هو اسم الإعلامية و الرمز علي التفكير يمكن أن يختطفه جلاوزة الفساد لكنه يظل قابلا للصلاح و للعودة الي دروب الخير، نجحت أيضا في الرمز الغريب الذي يطمئن الإعلامية علي مصيرها و يهبها الشجاعة، ما يذكرك بملائكة أو شياطين وادي عبقر الذين تخيلهم العرب مانحين للإبداع متلبسين للمبدعين.
مارست الكاتبة نوعا ما من الوصاية علي فهم قارئها ببعض الصفحات المنفردة التي تحوي مقالات و رموزا ارادت لها أن تضيئ فهم القارئ، مباشرة لا أتحمس لها في الأعمال الروائية، و لكن يمكن ان تكون تعبيرا عن عجز من يريد قول الحقيقة عن الإفصاح و لجوءه لفنون التورية تفاديا لآلة القمع.
وفي النهاية، فهي رواية تعيد إليك ذكريات زعماء شىرفاء راحوا ضحية النخبة(القاع) الإعلامي، رواية أنصح بقرائتها بشدة.