هل فرُضت حرب ١٩٦٧ على إسرائيل؟
بقلم – دكتور صالح الشحري:
هل كانت حرب ١٩٦٧ حربا مفروضة على اسرائيل ؟ الحقيقة تقول لا. يفند المؤرخ ايلان بابيه هذه المغالطة فى كتابه عشر خرافات عن اسرائيل، ايلان بابيه احد المؤرخين الجدد من مؤرخى الدولة الصهيونية ،الذين اكتشفوا ان ما تروجه اسرائيل فى العالم كان أغلبه افتراءات ، و المؤسف أن العرب اعتنقوا فكرة ادانة انفسهم ببدء الحرب التى كانت أعظم هزائمهم في العصر الحديث.
يذكر بابيه أن هدف إسرائيل الأساسي منذ قيامها كان السيطرة على ما يزعمون أنه أرض إسرائيل التاريخية التي أعطتهم إياها التوراة، و بالتالي فإن السيطرة على الضفة الغربية كانت في جوهر المشروع الصهيوني. حرب ١٩٤٨ شكلت الفرصة الذهبية التي يعتبر الصهاينة أنهم اضاعوها للسيطرة على الضفة الغربية. وسبب ذلك تفاهماتهم السرية مع الملك عبدالله الأول بن الحسين التي أٌ؟أُعطي فيها الضفة الغربية مقابل أن يجعل الجيش الأردني من دخوله مع الجيوش العربية إلى فلسطين شيئا رمزيا و قد كان. أسمي إبن غورين رئيس الوزراء الإسرائيلى ٱنذاك هذه الفرصة الضائعة مرثية الأجيال.
ظل الصهاينة ينتظرون اللحظة المناسبة لإبتلاع الضفة الغربية.
جاءت الفرصة الاولى عام ١٩٦٠م.
في الفترة ما بين عامي ١٩٥٨ و ١٩٦٠ كانت الراديكالية العربية(كما يقول بابيه)قد وصلت أوجها، إذ بدأت الناصرية تؤتي ثمارها في الدول العربية، حدث إنقلاب العراق الذي قضى على النظام الملكى المتحالف مع الغرب، و كان تقدير الغرب أن الدور على الأردن و لبنان، جعلت إسرائيل عملها إقناع الناتو بأن يدعمها لحرب استباقية على الأردن احتل به الضفة الغربية. في تلك الأثناء أيضا حاولت إسرائيل استفزاز سوريا ببعض العمليات العسكرية علي المنطقة الحرام، و المنطقة الحرام هي أرض بين الجانبين لم تتضمنها حلول المفاوضات السورية الإسرائيلية عام ١٩٤٩م ، و كذلك بدأت إسرآئيل بتحويل مياه نهر الأردن من مصبه إلي النقب. لم يجد عبدالناصر لكي يحمي سوريا أيام دولة الوحدة بدا من التصرف، تصرف بمنطق حافة الهاوية، و هو أن يترك للتحشيد العسكري و رفع نسبة التوتر أن تفرض حلا مناسبا مع تقدير أن ذلك لن يؤدي إلي حرب حقيقية. قام عبد الناصر بإدخال القوات المصرية إلي سيناء و طلب انسحاب قوات الطوارئ الدولية التي جاءت بناء على الاتفاقات الموقعة بين أطراف حرب ١٩٥٦م ، كما وقام باتخاذ تدابير إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية. ردت إسرائيل بحشد قواتها و الإحتياط، و لكن ما منع الحرب أن داج همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك أعلن بإسم المجتمع الدولي رفض سحب قوات الطوارئ الدولية. و رفض ابن غوريون احتلال الضفة الغربية خائفا من تخلخل الميزان الديمغرافي لدولة إسرآئيل بإضافة مليون فلسطيني هم سكان الضفة الغربية إلي سكان إسرآئيل الذين لم يكونوا يزيدون يومها علي مليون و نصف.
ظلت مسألة إحتلال الضفة في المخيلة الصهيونية، و قد تهيأوا بتصور بعض الحلول التي تؤدي إلي إحتلال الأرض من غير إضافة سكانها لمواطني دولة إسرآئيل، كان نظام الحكم العسكري الذي ورثته إسرآئيل عن الإحتلال البريطاني هو النظام المعمول به لإدارة مناطق وجود الفلسطينيين الذين بقوا داخل الدولة الإسرائيلية،و هو نظام يتعامل مع السكان بصفتهم غرباء محتلين غير مواطنين، رسميا إنتهي هذا النظام في عام ١٩٦٦م و لكن السلطات الإسرائيلية حافظت عليه نظريا و طورته علي أمل أن تسنح الفرصة لتطبيقه في الضفة الغربية مستقبلا.
عام ١٩٦٣م وصلت إلي السلطة في دمشق مجموعة من الضباط إتخذوا تدابير لحماية مياه نهر الأردن عند منبعه، حتى لا يصل إلي مصبه كميات كبيرة تجعل إسرائيل قادرة على تحويله إلي النقب، و غضت الطرف عن بعض عمليات منظمة فتح ضد إسرائيل. ردت إسرائيل بحشد قواتها و شعرت سوريا بتهديد حقيقي، عبد الناصر كان في معاهدة حلف دفاعي مع سوريا، وهنا لجأ إلي سياسة حافة الخطر التي لجأ إليها في المرة السابقة ، لكن الوضع كان مختلفا، يوثانت الذي خلف همرشولد كأمين عام للأمم المتحدة كان ضعيفا فوافق على قرار سحب قوات الطوارئ الدولية، و الجنرالات في إسرائيل لم يكونوا تحت سيطرة إبن جوريون،و أمام حكومة ليفي أشكول التي كانت حكومة وحدة وطنية تمثلت فيها كل الأحزاب ما عدا الشيوعي كانوا قادرين على فرض قرار الحرب،الهدف إحتلال الضفة الغربية و التخلص من السكان بالتفاوض مع الأردن،و تدمير القوة المصرية قبل اكتمال تجهيزها، سُميت تلك بثورة الجنرالات، لان الجنرالات بزعامة موشي دايان اجبروا ليفى اشكول على المبادرة باتخاذ قرار الحرب. كان تجهيز القوات المسلحة المصرية الذي سيكتمل ببناء حاجز الصواريخ خلال عامين امرا مقلقا لهم و يريد جنرالات اسرائيل تدمير القوة العسكرية المصرية قبل أن تصبح قادرة على تهديدهم.
يتسٱئل المؤرخ بابيه : إذا كان هناك مبررات لمهاجمة مصر و سوريا فأين هي المبررات لمهاجمة الأردن ؟
دخلت الأردن في حلف مع مصر ولكن الملك حسين أرسل سرا رسالة تطمينية تقول أن الجيش الأردني لن تكون مشاركته إلا رمزية. في الحقيقة حين شنت إسرائيل الحرب كانت مشاركة الأردن أكثر من الرمزية قليلا، و السبب أنه في اليوم الأول للحرب الذي دمرت إسرائيل القوة الجوية المصرية و هي على أرضها، قامت أيضا بتدمير القوات الجوية الأردنية، وكان رد الأردن قصفا شديدا على معسكرات إسرائيلية في منطقة القدس، في يوم ١١ حزيران كانت القوات الإسرائيلية قد حققت أكثر كثيرا مما توقعت و هنا ضغط الجنرالات على الحكومة لاحتلال الضفة التي كانت مكشوفة، و هكذا تم الإحتلال، لم يكن هناك مبرر فتحطيم القوة الجوية الاردنية و الرد بقصف أردني كان كافيا ليقول كلا الطرفين أنهما تحاربا وأنهما سيعززان إتفاقياتهما السابقة. الملك حسين كان يقول في كل يوم من يوقف هذا الجنون؟ و لكن تلك الفرصة كانت ما تبحث عنه إسرائيل.
على مستوى مجلس الوزراء الإسرائيلي آنذاك تم مناقشة وضع ما بعد الحرب، أقرت الوزارة الاستيطان في الضفة الغربية و الحفاظ على الأراضي التي يمكن استيطانها والتفاوض مع الأردن بشأن إعادة المناطق السكانية إلي سلطته. و أقرت إجراء مباحثات مع الدول العربية يمكن من خلالها الوصول إلى سلام و التخلي عن الأراضي التي تم احتلالها في سيناء و الجولان، و رغم ذلك لم توافق إسرائيل على قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢، لأنه يشمل الضفة الغربية، وهذا ما لا تقبل إسرائيل إعادته.
إذن لم تكن حرب ١٩٦٧ ضرورية لإسرائيل إلا لأنها كانت الفرصة لضم الضفة الغربية، و هذا الضم هو أحد ركائز المشروع الصهيوني. و ليس العرب هم سبب الحرب كما يردد بعضهم خديعة الصهاينة.