إبداعات

خفايا حرملك السلطان سليمان

بقلم- دكتور صالح الشحري:

الروايات التي تستوحي شخصياتها من التاريخ، ليس ضروريا ان تلتزم بأحداثه كما وقعت بل قد تضيف شخصيات من ابتكار المؤلف لكي يوصل فيها الأحداث الروائية الي ما تتكامل معه السرديه و تضيء الجوانب التاريخية المعتمة او تثير الشك في التفسير المعتمد عند الجمهور.

لا يمكن ادانة المؤلف لفعل ذلك حيث ان الإمتاع احد أهداف الأدب المشروعة، و حتي لا ندخل في مساجلة حول دقة الاحداث المروية او لا، فان الكاتبة تذكر في ثنايا روايتها انها اذ تتناول شخصية الجارية التي ساد في روايات تاريخية انه كان لها تأثير في السلطان العظيم سليمان القانون و استطاعت بدهاء كبير ان تؤثر في قرارات السلطان و في تحديد رجالات دولته المقربين او المبعدين و كان لها رائ في أولويات السلطان، و هي حسب ما فهمت نفس الحوادث التي تناولها المسلسل التركي الشهير حريم السلطان ،كما قيل لي لأنني لم أتابعه.

قيمة العمل الروائي يمكن ان تلخص في القول المشهور المنسوب للسيد المسيح “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” فهو لا يدافع عن الزنا و إنما يشير إلى ان المجتمع الذي يكثر فيه الخاطئون رغم كل ادعاءاته الاخلاقية عليه وزر مشاركة الخاطئين بخلق الأجواء التي تهييء للخطايا.

و هكذا فالطفلة التي تخطف من بيتها لتباع في أسواق النخاسة مثل كثيرات في عصر كانت فيه التجارة بالبشر رائجة، وبعد اهوال كثيرة حركت عواطف الابوة في قلب خاطفها فأوكل نفسه لحمايتها و المحافظة عليها، ينتهي بها الامر الي بيت الجواري في حرملك سليمان القانوني، و حيث المنافسة دائماً تحكم علي الجواري بالتفنن في فنون التانث بانتظار الفرصة التي تنقلها الي سرير السلطان.

وهنا إما أن تكون زائرة طارئة كما هو الحال في اغلب الأحيان، او مقيمة كما حدث مع حرم التي أهلتها مواصفاتها لتصبح الدائمة في فراش السلطان و تنجب له الأولاد ، و هنا تَخَلَّق مشكلة اخري، فإنجاب أطفال في بيت السلطان العثماني يعني صراعا علي ولاية العهد، و يعني أمراء يقتلون في امهادهم و اخرون يموتون في ظروف غامضة, و اب يعدم ابنه و اخر ينفي أباه، كل هذا لخصته الكاتبة علي لسان سلطان سلاطين الارض، الذي أتاه صاغرا معظم ملوك أوروبا المعروف بالقانوني في هذه العبارة الخارقة و الصادقة و المعبره: “عندما يدخل طموح الوصول الي السلطة عقل الانسان و قلبه مرة، فلن يعرف ابا و لا ولدا. و لولا هذا هل كان جدنا سيزهق روح أخيه و والدنا روح والده”.

هنا لا تجد السلطانة حرم امامها الا ان تتفنن في هذة اللعبة و بالمكر و بالجواسيس و بالرشاوي و بالسلاح الأبيض و بالسموم، تصل الي التخلص من ولي العهد المعلن إعداما علي يد ابيه، ثم تعود عليها سنة الحياة و عدالة الله فتخسر ابناءها في صراعاتهم علي السلطة و يبقي العرش هو مشنقة الجميع.

تراجيديا تثير الضحك و كوميديا تستدر الدموع، و ابداع يقول ان أدباء تركيا سيستمرون في إبهارنا ، كما تبهرنا قصور بني عثمان و حروبهم ، و سلاطينهم الجدد، ما يحرق عقلي سؤال هل تصل هذه القراءات الي ارباب القصور فتنبه عقولهم و قلوبهم ام ان الانبهار بالسلطة لا يدع مجالا لتامل حكم الأدب و درس التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى