مَا لَم يسْقطْ مِن حَقَائِب الغَرِيبِ
شعر- إسلام حلمي عبد الرازق:
عَلى جَيْشِ أحْلامِهِ قد أتى
بأجْنادَ لم تحرسِ القادةَ
يرصُّ ذخائرَهُ في الحقائبِ
أبياتَ شعرٍ وكرّاسةَ
ويغمدُ أشلاءَهُ ثم يُحصي
غنائمَهُ دمعةً دمعةَ
أسيرٌ بلا آسرٍ وقتيلٌ
سيدفعُ للقاتلِ الديةَ
هي.. الحربُ منذُ اكتشافِ الرغيفِ
ولم يعرفِ الفارسُ الهدنةَ
هي.. اليأسُ كهلٌ كفيفُ الطموحِ
سيُلْقِي على حلمِهِ نظرةَ
هي.. الليلُ ملهى أباحَ النجومَ
ومازال زوَّارُهُ شمعةَ
هي.. الوقتُ ألا يجيءَ الصباحُ
ولا تسألِ الساهدينَ متى
يحاولُ أن يكتبَ الريحَ عطرًا
على رئةِ التبغِ هذا الفتى
وقانونُهُ مثلُ كلِّ العصافيرِ
(لا يجرحِ الطائرُ الطلقةَ)
يُغمِّسُ في صحْنِ أوقَاتهِ
فراغًا، وكان الهوى لقْمةَ
بشرفتهِ لو تجوعُ النجومُ
سيزرعُ في عينهِ نخلةَ
وفي حانةٍ خمرُها الذكرياتُ
يقابلُ أحلامَهُ صدفةَ
كبرتَ ولم يصغرِ المستحيلُ
ولم يمسكِ الولدُ “النجمةَ”
يطاردهُ ذئبُ أيامِهِ
وكانت هزائمهُ عصبةَ
سُعالُ “الأتوبيسِ”، عَجْزُ المرورِ
طريقٌ من السلِّ لن يفْلتَا
بهاقٌ مشى فوقَ جلدِ المباني
وقرْحٌ يسمونهُ شرفةَ
يفتشُهُ ضابطُ الثاكلينَ
فيخرجُ من جيبهِ دمعةَ
يُحالُ إلى سجنِ أوراقهِ
أليستْ قصائدُهِ تُهْمةَ؟
غدًا سيذوبُ بكأسِ الغيابِ
قصيدةَ ملحٍ و تنهيدة
غدًا سوف يعبرُ هذا الصراط
ليمنحهُ التيهُ تأشيرةَ
كما هاربٍ من سجونِ المقاهي
ومن ناذلٍ لم ولن ينصتَا
متى أيها الشعر سوفَ تحنَّ
على شاعرٍ يكرهُ القهوةَ؟
****
كما هيَ لا تبتئسْ يا حبيبي
مدائنُ لا صمتَ لا صرخةَ
فمازالَ أسوارُها من حمامٍ
وأبوابُها لم تزلْ سبْعةَ
حدائقُها عشبةُ الجائعينَ
تحنُّ إلى الدهسِ كي تنْبُتَا
وبالرغم من صمتِها كان يصرخُ
“خبزًا وعدْلًا وحريَّةَ”
فتًى يتهجى نشيدَ الدخولِ
إلى روحهِ لثغةً لثغةَ
يهدُّ على أرضِهِ القيروانَ
لتُخرِجَ أنقاضُها عقبةَ
***
دعي الحزنَ والنزفَ والدمعةَ
وقُصِّي على ليْلنَا قصَّةَ
دعينا على منبرِ الليلِ نرقى
ونلقي على الجرحِ أغنيةَ
ونهوى على شجرِ الوقتِ غيمًا
ونقطفُ من غصنهِ لحظةَ
ونبحرُ في دمعةِ الذكرياتِ
ونرسو على خدِها قُبلةَ
فمازلتُ أسألُ مجنونَ ليْلي
ألا جمَّعَ اللهُ ما شتتَا؟!