بصيص أمل
بقلم: أسماء محمد الحوسني، الإمارات:
دخل المقهى وهو يحك أنفه بتوتر واضح وجلس على طاولة ووضع أوراقه المبعثرة أمامه، جاءه النادل شاب أسمر البشرة وبادره السؤال مبتسماً وبنصف انحناءة بعد أن أخرج دفتراً صغيراً من جيبه: – أهلاً بك سيدي، ما الذي تود احتساءه في بداية يومك ؟ يلتقط طارق القائمة من فوق الطاولة ، يمرر عيناه سريعاً على ما كتب بها ويقول:
– في الحقيقة ( يسعل مرتين) أنا في انتظار شخص ما ولا اريد إلا كوباً من عصير البرتقال
أحضر النادل العصير على وجه السرعة، وطارق منهمك في تحريك قلمه على تلك الاوراق
كانت البقعة الشمسية المتسللة عبر النافذة تمنعه من الرؤية بوضوح إلى ان اقتربت من الطاولة شريكة حياته هاجر وجلست مقابلة له بعد أن دعاها ليبلغها عن موضوع مصيري، وبحركة غير محسوبة انسكب العصير على الطاولة وبدأ طارق بانقاذ أوراقه من التلف ، حتى احس بشي بارد يتسلل لطبقة جلده، نعم انسكب العصير على صدر طارق
سحبت هاجر عدداً من المحارم لتبدأ بتنظيف البقعة:
لا تتحرك فقد اوشكنا على الانتهاء (هاجر وهي تنظربتمعن في وجه طارق )
أحست هاجر بالمشاعر التي تتضارب في رأس طارق فقد كانت عيناه مليئتين بالحزن والتعب،
أشارت هاجر للنادل فأقبل عليها وطلبت فنجاني قهوة، ومن ثم استقرت في كرسيها، كان على الطاولة الفواتير المعتادة، فاتورة الهاتف، ومذكرة تشير لموعد سداد أجار الشقة، وأيضا فاتورة نادي التدريب الذي يرتاده طارق، ووسط هذه الرسائل المزعجة أحست هاجربفرح طاغ عندما لمحت رسالة تحمل طابع محلي لبلدتها التي تغربت عنها بعنوان المستشفى التي ارتادوها من قبل للعلاج متأملة أن ترى التحاليل المبشرة والمفرحة.
ما أن حملت هاجر الرسالة بيدها حتى أخذها عقلها لبيتها الريفي القابع تحت الشمس الدافئة، متناسية لسعة البرد التي لفحت خديها، ارتشفت من فنجان القهوة والابتسامة على شفتيها، بدأت في قراءة الرسالة وعيناها مسمرتان على الكلمات، ولكن سرعان ما أختفت هذه الابتسامة عندما قلبت الصفحة الثانية، كانت شفتاها مزمومتين بوضوح، حتى أنفجرت الكلمات من شفتيها وغرقت عيناها العسليتان في ثورة عارمة: – لا يمكن ما يحدث هذا ، حينها نهض طارق من جلسته معتذراً واتجه نحو باب المقهى خارجاُ وتبعته هاجر وقد حملت في يدها المغلف، أخرج من جيبه سيجارة، أشعلها وسحب نفساُ عميقاً ثم سحب الدخان من أنفه وفمه في غمرة من التفكير وقال ببطء: – أردتك، وأردت لك السعادة ولكن …
مسكينة السيدة هاجرلا شك أن الضجيج بات كثيراً في داخلها، فكم تمنت أن تحمل طفل في أحشائها، أن تعيش لحظات الترقب والشوق لمعرفة جنسه، أن تكون أماً، وضعت يدها على بطنها تتلمسه وربتت على المغلف بحنان وتابعت قائلة وقد اعتلتها ابتسامة حزينة : إن كان المال سيقرر المسألة ،فلا شيء يمكن أن يقف في طريقنا.