هيكل الوصايا الأخيرة
بقلم – دكتور صالح الشحري:
كتاب جميل الأسلوب يتجلي فيه فن الكتابة،التي حرت في وصفها و أحار كلما قرأت كتابا له أو عنه،يصح أن تسمي كتابته أدب سياسي،فهو يربط الخبر بالتاريخ و بالجغرافيا و بالأخبار التي شكلت خلفية ما حدث،تختلف معه حتي تتمني لو أنه سكت في بعض المواقف،لكن كتابته تظل أدبا سياسيا رفيعا لا يشابهه في اسلوبه كثير.
و هنا تجد أن الذي كتب الحوار معه و عنه أنور عبد اللطيف ينحو نحو نفس النوع من الكتابة أي أدب سياسي،تجد فيه الشعر حين يأتي علي موعده وقتما يكون الإستدلال به لحظة الإضاءة علي مسرح الحدث.
شهدت مصر كتابا سياسيين متميزيين أحمد بهاء الدين،فهمي هويدي، محمود عوض، لا أحد في قامته،هم حوله كما كان البحتري و أبو تمام و أبو العتاهية حول المتنبي، و لكنه أغلبهم لم يقع في ما وقع فيه عندما كان كاتب البلاط، و هو في الأدب السياسي كالمتنبي بين الشعراء، متفرد بجزالة شعره،يحمل في كتابته بلاغة التصوير و جمال السرد، و يحفل كلامه بالحكمة، لكنه يعاب في علاقته بالبلاط، هذا أحد كتبه المهمه، بعض كتبه ليست مخصصة لموضوع سياسي و لكن يتألق فيها أسلوبه المحكم في التفكير و ثقافته النوعية التي لا تطاولها ثقافة أحد من الكتاب.
في سن التسعين حين أجريت هذه الحوارات كان يقرأ ست ساعات في اليوم ليكتب ساعة واحدة، هذا الإجتهاد لا تجده عند غيره إلا نادرا.في هذا السن هناك يوم واحد في الأسبوع و ساعة محددة يزوره فيها أحفاده!.
قليل هم الكتاب العرب الذين كتبوا في صحافة العالم،في غير لغتهم الأم، كان هو أولهم بكتابته أسبوعيا في التايمز حين كانت أهم صحف العالم، يبرع في قرآءة التاريخ، يقول مثلا أن العرب في تاريخهم الحديث تحركوا لقيادة منطقتهم مرات أربعة، أولاها حين حاول محمد علي باشا أن ينطلق من مصر لإعادة إحياء قوة الخلافة العثمانية، و احتل البحار التي كانت اساطيل الدولة عليها و وصل إلي الكتاهيية علي بعد مئتي كيل من العاصمة.
تجمع عليه المستعمرون الإنجليز و الروس والفرنسيون فدمروا اساطيله و فرضوا عليه إلا بنظر أبعد من حدود مصر و يعقب أن النهضة لا تقوم علي قوة الجيش وحده و لذا فشل محمد علي و هو نفس السبب الذي أدي إلي إنهيار السلطنة.
و علي هذا النمط يحلل صعود قوي العرب و هبوطهم، كلام كثير، يستوقفك لأهميته و وجاهته و قدرته إلي ذلك علي إمتاعك، قريب في أسلوبه و موضوعاته من كتاب زيارة جديدة للتاريخ.