بقلم – تاجوج الخولي
لقد سكنت تلك الفكرة رأسي منذ فترة , لكنني كنت أنحيها جانباً فقد زحزحتها أشياء أخرى , لكنها ظلت تتقافز لتأخذ مكانها في صدارة الوعي رغم طابور الإنتظار الطويل لذلك المجهول القادم . . الآن تأتي حكايات التعلب فات التي علقت برأسي كثيراً وطويلا, فما كان من القلم إلا فرض سطوته, ليعبر عن ذلك الثعلب الماكر الساكن على هوامش الفعل ورد الفعل فقط يراقب بكل مكر وقد رمى بالكثير من ثعلبيته كظلال تشجع تلك الأفعال العبثية والتي تسكن حلقات مفرغة يفوت فيها ذلك (التعلب) بوضوح ,لكن مكره يعمينا عن واقع صنعناه بأنفسنا وسلوكيات أورثتنا الفقر والتخلف لأنها تتصف بعدم الإستدامة وتتحدى تطور الزمن وتعاليم الأديان, لندور في حلقات من أغرب الحكايات لزمن راوغناه كما الثعلب الذي فات .لتتضح لنا مدى بعد الواقع المصري عن السلوك المستدام وتعاليم الإسلام .
ولكن ماهو السلوك المستدام وماهي الإستدامة, لقد ارتبطت تلك الكلمة بالمصطلح الأممي –التنمية المستدامة – و كما عرفتها الأمم المتحدة (هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها) ومع ذلك نحن في مجتمعاتنا نتعامل مع الموارد بشكل غير مستدام وذلك من خلال كل شرائح المجتمع , بدءً من الإستهلاك المحموم إلى إلقاء المهملات خارج سلة المهملات, ويأتي هذا العرض الموجزا للجهود الأممية لتعزيز التنمية المستدامة,ثم القاء الضوء على مدى تعارض نمط الحياة القائم بالفعل مع تلك الأهداف- مثل الإسراف في التجهيز للزواج وحمى الدروس الخصوصية – وكيف تعكس هذه الأهداف تعاليم الأديان وتقاليد الشعوب ؟
إدراكًا منها للحاجة إلى مساعدة الشعوب الفقيرة بصورة أكبر، اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الأهداف الإنمائية للألفية. وتسعى هذه الأهداف إلى تحفيز التنمية من خلال تحسين الظروف الإجتماعية والإقتصادية في أكثر بلدان العالم فقرًا. وتنبثق الأهداف الإنمائية للألفية عن أهداف إنمائية أخرى تم إرساؤها رسميا في Millennium Summit قمة الألفية] لعام 2000، والتي حضرها جميع قادة العالم واعتمدوا إعلان الأمم المتحدة للألفية حيث تم الإعلان عن الأهداف الثمانية.
(القضاء على الفقر المدقع والجوع – تحقيق تعميم التعليم الابتدائي- تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة- تقليل وفيات الأطفال- تحسين الصحة- مكافحة الأيدز والملاريا والأمراض الأخرى- كفالة الاستدامة البيئية- إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية)
وقد تتابعت الجهود ليتم وضع 17 هدفًا واجبة التنفيذ بحلول 2030 وهي تغطي مجموعة واسعة من قضايا التنمية الإجتماعية والإقتصادية (الفقر – الجوع – الصحة – التعليم – تغير المناخ – المساواة بين الجنسين – المياه و الصرف الصحي – الحياة في البر- والحياة تحت الماء– العمل اللائق – الإنتاج والإستهلاك المستدام -الطاقة النظيفة – الصناعة والبنى التحتية –المجتمعات المستدامة – المناخ – السلام والعدالة الاجتماعية- الشراكة لتحقيق الأهداف )
تلك الأهداف هي دليل الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 3020 الذي تم تسجيله في سلسلة تحتوي على 17 كتابًا قصيرًا، تفحص خلالها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتوفر أيضًا تقييمًا متكاملًا لأهداف التنمية المستدامة من منظور إقتصادي وإجتماعي وبيئي وثقافي.. كُتِبَت السلسلة بناء على منهج تحليلي وتقييم نقدي لأهداف التنمية المستدامة من وجهات نظر التخصصات المتعددة، وعبر الأقاليم المختلفة تحت عنوان يؤكد اعتماد الإبتكار في التحليل النظري والتجريبي ومناهج التطبيق وفقًا لأهداف التنمية المستدامة المعنية.
تعمل الحكومات في جميع أنحاء العالم على تحقيق هذه الأهداف لتنعم شعوبها بالتقدم والرخاء , ونجد جهود الحكومة المصرية المتلاحقة والتي حققت تقدم في مجالات مثل: الصحة وخاصة القضاء على فيرس سي, وكذلك المجتمعات والطرق المستدامة وتوفير الإسكان الإجتماعي ولكن يبقى التعليم مجرد منشآت خالية من المضمون بسبب الدروس الخصوصية التي تلتهم أكثر من 50% من دخل بعض الأسر, وكذلك عدم وجود كوادر شابة مدربة على الأنظمة المتسارعة في تطوير التعليم لتعاني المدارس من عجز في العمالة من هيئات التدريس إلى عمال النظافة وتبقى الكوادر التربوية المصرية عاطلة عن العمل أو تعمل في غير التخصص لتضرب مصر أقسى الأمثال لنظام تعليم غير مستدام ليفوت الثعلب المرواغ مؤثراً في مدخلات ومخرجات النظام التعليمي وسوق العمل .
يعوق النمط الإستهلاكي جهود رفع مستوى المعيشة بشكل واضح , لقد أصبحت تجهيزات الزواج شئ مرعب ومرهق لمزاينيات أغنى البيوتات فما بالك بالبسطاء وهم يفرضون ضرورة إقتناء كل شئ وأي شئ وبكل الأنواع ,إنهم يتسولون من أجل شراء ثلاث مرواح ويرسلون بأبنائهم إلى الأعمال الشاقة في الخليج لسنوات طويلة ليزدان الطريق بسيارات تحمل الأكثر والأغلى والأجود, يتكاتف الجميع ويُحرم الجميع من أجل تجهيز العروس لا من أجل بناء بيت أو إدخار لمستقبل, إنهم يرمون بأعمارهم على قارعة الطريق لثعلب يمكر بفرصهم في حياة أفضل وقد ينتهي الحال بالبعض في السجن نتييجة للإسراف والتبذيرالذي نهانا عنه كل الأديان السماوية, أو بالمصطلح الأممي الإستهلاك غير المستدام.