مقتل فخر الدين.. مقتل المصري الطيب
بقلم- دكتور صالح الشحري:
هو اذن فخر الدين، الذي تبدأ كل الحكايات من حيت يلقي مصرعه علي أيدي قوة غامضة، مصري من ابناء الشعب الذين يعيشون بالشعب و له، و الذي يمارس المحاماة مكتبه طاولة مقهي في الحي الشعبي، بين السرايات، يدافع عن المقهورين المظلومين، و يتعاون معه مجموعة محامين يلتقونه علي مقهي الحي، يحيل إليهم قضايا الذين لا يملكون الوصول الي مكاتب المحامين.
المكاتب التي هجرها فخر الدين لانها تعتني بالترافع عن قضايا المجرمين الكبار، و التي تهمل القضايا العادلة للبسطاء الذين لا يملكون دفع تكاليفها الباهظة، فيظلمون مرتين الأولي في الواقع و الثانية في المحكمة حين يجد ظالمهم من يدافع عنه بينما لا يملكون من يسندهم فيتأكد ظلمهم امام عدالة القضاء، يقتل فخر الدين في جريمة غامضه، و يطوي قيد قضيته فتسجل ضد مجهول.
لكن صحوة ضمير غير متوقعه عند احد المحققين تجعل هاجس البحث عن القاتل أمرا ملحا في نفسه! هنا تبدأ رحلة بحث مضنية.
بعد هذه الرحلة ينتهي المحقق الي إن هناك مجموعة من البشر كلهم فخر الدين و كلهم ينتمون الي الانسانية الأصيلة بمعناها المكرم،و كلهم يحمل نفس الرسالة الأخلاقية التي يستودعها فيهم معلم يحمل دستور الانسانية ،يشعر كل منهم انه موكل بتحقيق هذه المعاني الخيرة في المجتمع؟.
لكن كلا منهم ينتهي بالاغتيال من خلال قوي غامضه ،قوي لا تبدو خارجة عن المجتمع، لكن من الواضح انها بدلا من ان تعمل لحماية المجتمع من الفساد، تجعل المجتمع نفسه اداة للفساد و حامية له.
“فخر الدين الأول” ينتهي علي يد عمه و زوج خالته والوصي عليه في يتمه و الوصي ايضا علي ميراث الاسرة، يرفض فخر الدين المدارة المعيبة للفضيحة من أجل حفظ ميراث الاسرة كيلا يقتسم مع زوج لأبنة العم من خارج العائلة، يكلف فخر الدين هذا الرفض حياته، ميراث الأسرة أولي بالحياة.
“فخر الدين الثاني” يغتاله جهاز الاستخبارات بعد اغتياله معنويا علي أيدي زملاءه في الجامعة الذين يشاركونه العمل السياسي الهادف لحماية مستقبل الجامعة و أبناءها و مجتمعها من تسلط قوي الأمن، في مسيرته الكفاحية الساميه يجد نسبة مهمة من زملاءه و قد باعوا أنفسهم لقوي الشر ليصبحوا جواسيس علي زملائهم و خالقي فتن و صراعات بين قوي المجتمع الطلابي، و هكذا تتحول قوي المستقبل لتصارع نفسها بدلا عن ان تقود الي تغير إيجابي في مجتمعها.
“فخر الدين الثالث” المجند في الجيش يرفض مشاركة جيشه في الحرب ضد العراق،لان هذا يتنافي مع مفهومه الأخلاقي لوظيفة الجيش في مصر،و رغم وضوح المسالة في استحقاقه حكما بالإعدام عقوبة علي التمرد فان ذلك لا يغير من قناعاته ولا يحيدها لتبقي له حياته.
“فخر الدين الرابع” تقتله قوي غامضه اخري، بعد ان يغتال معنويا بالانفصال عن خطيبته المفترضة لانه لا يستطيع تأمين منزل الزوجيه، فتجنبه العمل الا من اجل المظاليم الفقراء الذين لا يملكون نفقة محاميهم يجعله دائماً فقيرا بالمادة مهما اغتني بالعدالة التي يحققها لمن حرمها، اما الاغتيال المعنوي الاخر ان تقفل في وجهه مكاتب المحاماة لان قانونه الأخلاقي يحرم الدفاع عن المجرمين و تبرئتهم، و يحرم قبول قضاياهم، بل ان قبلها و تبينت له جرائمهم، فانه سينتقل في المحكمة ليأخذ مكان النائب العام فيدينهم و يوقع عليهم العقوبة غير عابيء بخسارة مكتب المحاماة الذي يمثله للقضية، و ما يشكله ذلك من إدانة أخلاقية لمهنة اصبح هدفها الربح لا تحقيق العدالة، فلا يكتفي بإخراجه من مجتمع المحامين، بل بإخراجه من كل الدنيا طالما إستمر يصارع الفساد و لو من علي كرسي مقهي بين السريات.
اذن ففخر الدين هو المصري المثالي الحالم بالحياة المثالية ،الذي و هب نفسه لفضح الفساد و إخراجه من حياة الناس، فخر الدين لا يجب ان يعيش، و كل فخر الدين يجب ان ينتهي حتي يبقي لنا الفساد الذي اصبح جزءا من حياتنا،لم نعتد الحياة بدونه،فلنترك فخر الدين و من صاحبه يواجهون أقدارهم وحدهم و لتبق لنا حياتنا بفسادها، بفضائحها،ب ظلماتها.
«مقتل فخر الدين» الرواية الأولى، للكاتب عز الدين شكري، و رغم انها صدرت قبل باقي رواياته بما يزيد علي عقد من الزمان (١٩٩٥) فإنها يمكن ان تكون جزءا اول من ثلاثية جزءاها الآخران، روايتاه، أبو عمر المصري، غرفة العناية المركزة.
فـ “أبو عمر المصري” يبدأ رحلته منذ اللحظة التي قتل فيها فخر الدين زميله المحامي معه عن قضايا المضطهدين، و إذ بدأت نفس القوي القاتله في تتبع ابي عمر، فبدأ مسيرة الثأر .
أما في غرفة العمليه فنلتقي مع نجوم المجتمع الآخرين،فنري ان كلا منهم كان ضحية للقوي المفسده و التي جيرتهم ومجتمعهم لها، رجل الأمن الذي يشعر بخيبة أمل منذ عودته من حرب حرم الشعب ان يجني منها حقه من دماء ابناءه، والصحفي الذي تحول الي الانتهازية مع الزمن و محامية الجماعات الاسلامية التي تواجه بتهديدات رجل الأمن و ابتزازها بالماضي الخ…
تشكل هذه السلسلة مجموعة من وثائق الإدانه لمجتمع اصبح عصيا علي الصلاح، اما فنيًا فان الفترة الزمنية الطويلة نسبيا بين أولها و ما بعدها انعكست علي أسلوب الروائي الذي أصبح أكثر سلاسة و قدرة علي إيصال الأفكار دونما اثقال علي متعة السرد.