البرسوبس شجرة أنقذت واحة الأحساء الشهيرة
بقلم الدكتور محمد بن حامد الغامدي
twitter@DrAlghamdiMH
يغيب عن أعداء شجرة البرسوبس الكثير من الحقائق، ولا نعلم هل هم غيّبوها عنوة لغرض من الأغراض أم جاءت فكرة التغييب عارضة بسبب الجهل وعدم المعرفة؟
بداية ينبغي الإشارة إلى أن الاستعانة بأشجار البرسوبس، من قبل أناس حكماء وخبراء، عرفوا قيمتها وخصائصها ونفعها العظيم، ومدى ملاءمتها لظروف المملكة البيئية والمناخية، إذ دخلت المملكة ــ حماها الله ـ مع بداية تأسيس مدن شركة (أرامكو) وأحيائها الخالية من الغطاء النباتي: (الظهران، بقيق، رأس تنورة). ولقد عايشت ـ بنفسي ـ هذا النبات منذ عام (1961م) في مدينة بقيق، وكانت أشجارا كبيرة، وفي وقتها لم أميزها عن شجر الطلح الذي عشت بجانبه سنوات طفولتي في قريتي وهيجتها، إلا أنها أكثر اخضرارا منه، هذا كان في البداية، لكن مع مرور الزمن اختلفت النظرة وعرفت العديد من الحقائق عن هذه الشجرة.
فقد تعمّقت معرفتي بهذه الشجرة في المرحلة المتوسطة، إذ كان بحديقة البيت شجرة كبيرة من البرسوبس، وحينما كنّا طلابا كنا نزرع في حصتي الزراعة الأسبوعية شتلاتها في حدائق المدرسة المتوسطة النموذجية التابعة لـ(ارامكو)، ولم أكن أعرف وقتها بأنني سأكون ـ وبفخر ــ أكثر المدافعين عن حق حياة وجود هذه الشجرة في المملكة، رعاها الله.
وحتى تكون الصورة واضحة، وللحق فإن المنطقة الشرقية عرفت شجرة البرسوبس قبل بقية المناطق بأكثر من نصف قرن، حيث انتقلت بعدها عن طريق البلديات للمناطق الأخرى ومنها الرياض والقصيم وحائل، فقد زرعوها في الشوارع والحدائق، قبل أن تثار زوابع التجهيل التي اتبعتها حملة شرسة ضدها في تسعينيات القرن الماضي الميلادي، بحجج محيرة للعقل وبعيدة عن المنطق.
السؤال الحاضر والملحّ ايضا من غيب حقيقة شجرة البرسوبس؟
هذه الشجرة هي التي أنقذت واحة الأحساء الشهيرة من زحف الرمال ـ بعد إرادة الله ـ تلك الرمال اجتاحت الكثير من المواقع، وحولت الواحة وطمرتها، مما دفع لاتخاذ قرار رسمي بتأسس (مشروع حجز الرمال) عام (1962م). فكان من أول مشاريع مكافحة التصحر على مستوى العالم، والذي استهدف زراعة (10) ملايين شجرة لحماية الواحة، فكان هذا الأمر مفخرة لبلدنا أمام أنفسنا وأمام العالم، ولقد تفاجأت بهذا الأمر أثناء دراستي العليا بأمريكا، إذ ورد في أحد المقررات كنموذج لمحارية التصحر، ولأني سعودي، انهالت الأسئلة على شخصي عن هذا المشروع الذي كنت أجهله تماما، وقد كان مشروعا وطنيا طموحا، تم تغييب فكرة المشروع عن جميع مناهجنا الدراسية حتى الجامعية منها. والأدهى من ذلك تم تعطيله على أرض الواقع، بعد أكثر من ربع قرن على تأسيسه، وتم ـ بكل أسف ـ القضاء على كل تجاربه الناجحة، وعلى خبراته السعودية التراكمية النادرة والثمينة، فأصبحنا ـ ونحن أصحاب المبادرة ـ نضرب الأمثلة بالدول الأخرى، ونقلد مشيتها.
كانت معظم أشجار المشروع من أشجار البرسوبس، كأول مشروع عالمي لمكافحة التصحر ـ كما سلف القول ـ إذ شكل غطاء نباتيا كثيفا في وجه زحف الرمال. وكان له مشتل خاص، ساهم في نشر أشجار البرسوبس في مدن المنطقة الشرقية، حتى أنني وعندما التحقت بجامعة الملك فيصل وجدت جميع أشجار حدائق الجامعة من هذا النبات.
بعد ذلك، عشت ـ وكلي حزن ـ بداية الهلوسة التي أنتجت حملة تعرّض لها البرسوبس في تسعينيات القرن الماضي، ودعت لاجتثاثه من شوارع المدن، وتابعت دفاع المفكر السعودي الكبير (إبراهيم البليهي، عافاه الله وشفاه وأنعم عليه بالصحة والعافية) عن هذه الشجرة العظيمة، وناصرته يومها، فقد دافع كمسؤول ومفكر عن الشجرة بعد أن استشعر أهميتها، وقد رأى خذلان وتقاعس من جميع مسؤولي البلديات في ذلك الوقت، فقد غاب عنهم فكر الرجل وقناعاته العلمية وتوجهاته في محاربة التصحر، فكان للمفكر البليهي (وهو يرقد الآن على السرير الأبيض في أحد مشافي العاصمة) شرف الدفاع والمواجهة لصالح البيئة، فصدر الأمر السامي في حينه بوقف اجتثاث شجرة البرسوبس.
حتى هذا الأمر السامي غيبه الاعلام. هل كان ذلك لزيادة مساحة تجهيل الناس بأهمية هذه الشجرة؟
مع هذه الموجة الجديدة المناهضة لشجرة البرسوبس، تناسوا أهميتها، وفائدة نشرها لمكافحة التصحر، فالرمال مازالت متحركة تشكل خطورة حتى على الطرق الطويلة، بجانب ما تثيره من غبار وأتربة في مناطق كثيرة منها أودية تهامة، وأجزاء واسعة من مناطق المملكة خصوصا الشرقية والوسطى
ما أردت قوله هنا، هو أن دور ووظيفة وأهمية شجرة البرسوبس، لن يتوقف، وسنظل بحاجتها لمحاربة التصحر، والعطش، وزحف الرمال، والغبار، والتلوث. ستظل شجرة استثنائية فاعلة في ظل الرؤية العظيمة التي تشهدها بلادنا في شتى الصعد ومنها مبادرة (السعودية الخضراء). وإني لأتعجب من أصوات تتعالى لاجتثاثها وإعادة مناطق انتشارها إلى مناطق جرداء قاحلة خالية من الشجر. أصوات غيبت حكمة الاستفادة من هذه الشجرة وتسخيرها لخدمة البيئة السعودية المباركة.ويستمر الحديث بعنوان آخر.