بقلم- دكتور سيد معوض الطنطاوي:
بداية ومن الإهداء يبدأ حاتم مرعي حوار ممتد مع أماكن فى القلب وسكانها من ملح الارض وبيئته التي نما وترعرع فيها.
(لكل حاره فى قلبي هدها التنظيم)
لا تتجسد جمالية المكان من خلال تحديد اسمه و أبعاده و صفاته فحسب ، و إنما من خلال مرجعيته وواقعيته و طبيعته الخاصة ، فهو مكان يحدد شعريا عن طريق أسره داخل مجموعة من المفردات. (١)
مر بنا حاتم بأماكن هى رمز للسويس و مصر، مر بنا من الحارة إلى الشوارع إلى جبل عتاقة الى كفر عبده القديم الى الدندراوي الى ش سوهاح، إلي شارع الجيش إلى مقام الغريب، مر بنا بكل أطلال العاميةالمصرية متخذا السويس نموذجا.
و يظل المكان خلوا باهتا من أي معنى إذا لم يمنحه الإنسان بعضا من تفاعله و روحه ، فيصبح المكان في هذه الحالة قسيم القيم الاجتماعية و الروحية التي جبل عليها الإنسان، و توارث الإحساس بشاعريتها، فكم من أمكنة خلدها الإنسان و أفرغ فيها من وجدانه و روحه، و الحق أنه من الصعوبة بمكان الفصل بين الإنسان و المكان، فثمة ألفة و حميمية تجمعهما ، و لذا يعد المكان بالنسبة للإنسان ”جسدا و روحا و هو عالم الإنسان الأول”. (٢)
حاتم مرعي منح كل مكان مر به فى ديوانه روحا وألفة:
ماتبعديش الشوارع
عن أنين البحر
أحلام تموت ع الشط
عريانه
الملح غطا البيوت
ولا انتي دريانه
وملح على جرح الأرض من ارتحلوا بحرا بحثا عن رزق:
على شط أبهت
من لون جروح الصيادين
فردت قلعي للزوال
كانت عيال الحاره
تايهه فى زحمتك
ومركبي لسه فى الغاطس
وفى بيت مهجور يلهب قلوبنا:
بابي خشب مكسور
وبواباتك نور
بس سقِفك واطي
أنا بسأل العاطي
يمنحِك صبر ناعسه
يام العيون ناعسه
سابت مابينا
فنار مطفي
وبيت مهجور
ودلالة الباب شاملة فى شعرنا المعاصر، ثم حواره مع “جبل عتاقة”، وهنا يأخذنا حاتم إلى مصطلح شعرى مهم، وهو (التخييل) هنا هو الخيال، ولكن في حالته الواعية، الإرادية، أي في حالة توظيف الشاعر له، الذي يظهر، في الصورة الشعرية، وما القصيدة في النهاية، إلا مجموعة هذه الصور المتراصة والمتداخلة مع بعضها.(٣)
فالحوار مع جماد ممتد من شعرنا القديم:
طيري حط ع الشط
عرقان وبيعافر
قولت له شاطر
ده قلبك
ولا
فوهة بركان
وده يمامك
ولادى الغربان
والعزف مستمر “جبل عتاقه” قال لي :
طيري طار للسما
مع موكب الُشهدا
واسمي كان مكتوب
على مسجد الُشهدا
سابني أسير للحروب الأونطه
باشد من قلبي
سهام القرامطه
واستلهام ( سهام القرامطه) واضح خيانات القرامطة:
ما فعلوه في سنة (294)هـ، من تعرضهم للحجاج أثناء رجوعهم من مكة بعد أداء المناسك فلقوا القافلة الأولى فقاتلوهم قتالاً شديدًا، فلما رأى القرامطة شدة القافلة في القتال، قال: هل فيكم نائب السلطان؟ فقالوا: ما معنا أحد، فقالوا: فلسنا نريدكم، فاطمأنوا وساروا فلما ساروا، أوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم.
وتعقبوا قوافل الحجيج قافلة قافلة يعملون فيهم السيف، فقتلوهم عن آخرهم(٤)
وعند حاتم” نزعة صوفيه محببة:
يكفيني مِنك نظره
وحياة غلاوة ستنا فاطمه
وحياة مقام السيده الطاهره
خلي السما تساعني
وملايكتك تسمعني
وفى الغريب لابد من ركعتين:
بركعتين المحبه
جنب المقام
سبحان الذي لاينام
سبحان من بِدل الكوابيساحلامً
لدى حاتم روح صوفيه ظاهره فى قصائد الديوان:
إن المعرفة الصوفية هي معرفة ذوقية وإلهامية، والحقيقة لديها ليست نقلية أو عقلية، بل قلبية، يكون القلب فيها عالما ومدركا وعارفا ومخاطبا، ومعاقبا أيضا، وهو القادر على إدراك الذات والباطن لجميع الأشياء.
مما بوّأ القلب مكانة خاصة في المعرفة الصوفية, فهو بالنسبة إليهم أهم من العقل, بل ربما كان عندهم الأساس. (٥)
للأراضى اِلحكر
من تحت خيمة ربنا الزرقا
الخلق حتما مفارقه
واللقا تساهيل
من طلتك ياغريب
لطلعة المحمل
وانا من المحاسيب
وروحي تتحمل
بس انَّت شاور
فى المنام نوبه
ويأخذنا حاتم من رحاب الغريب إلى السيد البدوي:
الله الله يابدوي
يا فارس يا ُملثم
ياللي حررت قلبي
من بلادالعَجم
وحررت خضره الشريفه
بنظرة عين
نظره وفرشت
مدد على صدر محبوبتي
كان العلم علمين
وعوده إلى السويس
يا مشعلقه قلبي المكسور
ُعمرين وكسور
أشواقي م العين الُسخنه
ولحد الخور
مِنك وليكي جواب طاير وهم وحاير
ُسَكر غلي
على شاي فاير
على وصل النور
و نظره الى ملح الارض الطيبين:
درويش ومات
وقبل مايموت اتفطم ريقه
على البنات والسهر
والدنيا الرحيبه
دي بنت كانت حبيبه
ودي روح غريبه
هيمانه فى الملكوت
إبني البيوت
َسِكني
كل البشر
ساكنني
البيئة مكونا إنتاجيا للشعر حيث عكس الشعراء بيئاتهم وجوانب المحيط الذين عاشوا فيه، كما تطرق الناقد إلى عامل الحروب وأثرها في غزارة الشعر وأيضا عنصري الكون و الحيوان في إلهامهما للشاعر، (٦) وحاتم إبن بيئته.
ومره أخرى الى أماكن السويس:
فى شارع الجيش
عدت مراكب
من دهب وحشيش
قامت معارك
خسرتها وقتي
وكان سببها
مفيش
واعجبنتي الصور واستحضار واقع القناه والسويس
مسمار فى قلبي
راسه مصديه
نايم كأنه
سارح فى اغنيه
ع السمسميه
غنوا يادراويش
زي النهارده
قتلوني فى الحضره
******
الشوق طايلني
والهوا مراجيح
يا فصيح وروحك
م الضيا والريح
حاربت ياما
والفرس خوان
ونزفت ياما
الدم
بالتسابيح
اخيرًا، “حنه سويسي” هي إبداع مغدق لشاعر غاص فى محليته وجاءنا بما فيها من آمال وآلام وآحلام ارانا بعينه السويس الحبيبة البشر والحجر والطير والبحر والرمل.