ما يتصف به الأديب في طفولته
بقلم: رزان البكر
لطالما كنت أتساءل عن صفات الادباء ما الذي يجمعهم وكيف اندفعوا نحو الادب أي قوة تلك التي حركت اقلامهم يقول بلال المسعودي: “كثيرة هي الاسئلة التي تراود المولعين بالكتابة ولعل اكثرها ترددا متى اكتب؟ وكيف اكتب؟ … وسيبقى اكثرها حرقة سؤال الحسم: هل انا كاتب فعلا؟ او هل انا جدير بالكتابة؟” ارغب بمعرفة أي الصفات امتلكوا ليواجهوا هذه الاسئلة بها ؟ الموهبة هبة والمهارات تصقل وبالطبع هم قروا صنوفاً ليصلوا الى ما وصلوا اليه لكن اجزم ان الصفات الشخصية لها دور كبير في حياة كل اديب خاصة تلك التي تحلوا بها منذ الطفولة بطبعهم او بعدما اجبرتهم الحياه عليها أجدني اتساءل عنها دوماً بشكل خاص.
هل غادة السمان الطفلة كانت تذهب للتحدث اولاً عند مقابلة من هي بعمرها؟ ام كانت تدفعها والدتها لذلك؟ و هل غسان كنفاني امتلك العديد من الاصحاب في طفولته يتظاهر امامهم بالقسوة بينما هو ارق من النسيم؟ و هل غازي القصيبي كان طفلاً خجولاً ام كان ينخرط في الحديث مع الكبار وكانه احدهم؟
لن اتمكن عن الاجابة عن تلك التساؤلات بدقه لكن يمكن ان نجمع بعض من الصفات التي حضرت في طفلة بعض الادباء من اقوالهم ومواقف حياتهم فإدواردو غاليانو يقول عن طفولته “كنت طفل خجول وانطوائي اعتمدت تنشئتي الاجتماعيه على الملاحظة ما جعلني – على المدى الطويل ربما قوي الملاحظة”، الانطواء وقوة الملاحظة انه مزيج لائق لصنع الحكمة التي ملئت كتاباته قد يكون الانطواء صفة ولد بها لكن قوة الملاحظه اكتسبها من تنشئته كما اكتسب الطفل محمود درويش بعد ان اجبر على النزوح مع عائلته والاف الاهالي من قرية “البـــِروة” في الجليل الغربي بفلسطين إلى القرى اللبنانية، ليصيروا لاجئين بعدما استوطن الإسرائيليون قرى الفلاحين ودفنوا الحقيقة تحت تراب أراضيهم.
الادراك من عمر مبكر اذ شهد ما لا يمكن لطفل ان يشهده ويبقى محدود الادراك ولعله قريب من الطفل نجيب محفوظ فعلى الرغم من ان طفولته لم تحمل أحداث مميزة على الصعيد الشخصي، إلا أن الفترة التي ولد فيها كانت مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، حيث لم يكن قد تجاوز السابعة من عمره عند قيام ثورة العام 1919 في مصر، مما ساهم في تكوين إدراكه كذلك والصفة الأهم بما اراه هي الخيال منذ ان بوكوفسكي عندما كان في العاشرة من عمره أحس بأول مرة بالقوة السحرية التي قد تمنحها الكتابة أحيانا حين كتب قطعة إنشاء في المدرسة يروي فيها معاينته لزيارة الرئيس الأمريكي هوفير للمدينة.
وكان عليه أن يختلق كل شيءمن خياله ذلك أن والده كان قد منعه من الخروج للشارع لرؤية الرئيس مع أقرانه. كان الخيال موهوب له والموقف زاد من تدفقه لقد وصفبوكوفسكي هذه الواقعة لاحقاً بكونها كانت الحدث الحاسم في حياته والدافع الذي شجعه علي الكتابة.
ولعلي اختم بالطموح وادلي بطفولة جبران خليل كمثال حيث نشأ جبران في أسرة مارونية فقيرة، ولم يستطع الالتحاق بالمدرسة في أول حياته، لكنه تعلم القراءة والكتابة من الطبيب الشاعر سليم الضاهر. ثم تحدى الظروف المعيشية القاسية التي نشأ فيها، نتيجة تقاعس والده وكسله وانشغاله بالسُكر والقمار، واعتمد على نفسه في المطالعة والتعرف إلى التاريخ والأدب. لقد كان سريع البديهة، طموحاً ومتواضعاً. وحتى في كتاباته كان يحفز الطموح دائماً ولعل قوله “انما القصد من الوجود … الطموح الى ما وراء الوجود” دليل على ذلك.
ان نظرنا الى الصفات فانها تبدو كسلسلة منتظمة الانطواء والملاحظة ثم الادراك وبعده الخيال ويتلوه الطموح بالطبع هي ليست خطة للاتباع لكنها ترضي بعض تساؤلات وتزيد من التفكر فربط ما وصلوا له بما ولدوا عليه من صفات ونشئوا عليه يجعل احداث كثيره تترابط مع قيم وثقافات بعضهم حكوا عنها بشفافيه والاخرون تركوها للمحللين والمشترك بينهم انها انعكست لنا كقراء لهم بين السطور التي نسجوها.