شرف قاطع طريق
بقلم- دكتور صالح الشحري:
هي رواية لـ “حنا مينه” أحد أهم الروائيين العربالذي غادر دنيانا، و لو أن الدراما في سوريا كانت قادرة علي الإنتاج السينمائي لكان من حسن حظ الفن أن يحول رواياته إلي أفلام تجد طريقها للعالمية.
لم أقرأ له إلا خمسا من الروايات و علي فترات متباعدة،مشكلتي أنني بعد أن أقرأ أيا من رواياته يترك لي لوعة في القلب تستمر فترة طويلة و لا تتواري إلا إن قدر أحدنا علي النسيان.
فهو أبرع من يتصدي لتوصيف الفقر و بؤس الفقراء و بشاعة الظلم الذي يخلقه الناس لأنفسهم مهما كان جنسهم أو لونهم أو دينهم،لن تفقد في أي من رواياته البطل الإيجابي الذي يداوي جراح الدنيا بمرجلته،أي بشجاعته و قدرته علي تحدي الظلم،و علي إعادة شيئ من التوازن إلي حياة المسحوقين.
يجعلك “حنا” تشعر بأنه يغرف من بحر ذكرياته و أن تعيش معه تفاصيلها فتطمئن في النهاية إلي أنه قد تحرر من بؤس العيش و أصبح كاتبا ذا شأن.و هو إذا يفعل ذلك فإنما لأنه لا يريد أن نعيش مأساة أبطاله فتفرغ مظلمتك سلبيا مع مظالمهم،يريدك أن تتصدي لمظلمتك الخاصة و لا تنساها مثلما يبقي هو محتفظا لنفسه بدور الراوية الذي يتباعد عن أن يلتبس بأي من أبطاله.
يفجؤك العنوان شرف قاطع طريق، بتناقض الشرف مع قطع الطريق،لكن حنا يعترف أن هؤلاء الذين يمارسون مهنا غير شريفة ليسوا في الأصل فاسدين فعندما تدين لهم القوة و يجتمع عليهم الخائفون و الطامعون و الباحثون عن خلاص،فإنهم يستخدمون قوتهم بتحقيق العدل الذي يفهمونه،إنهم لا يختلسون من فقير و لا يعتدون علي ضعيف مستأمن و يذلون المرابين و الملاك الذين يمتصون عرق الكادحين و ينتقمون لبعض المظلومين،ظاهرة تعيد للذاكرة ظاهرة الشعراء الصعاليك أيام الجاهلية العربية.
في رحلة الأسرة الهاربة من الفقر في السويدية إلي الفقر في الإسكندرونة تعيش البؤس الذي أتي المستعمر الفرنسي ليكرسه،لقد جاء المستعمر الفرنسي بِالحَرير الصناعي ليقتل إنتاج الحرير الطبيعي و مزارع التوت التي يعتمد عليها،و يدمر إقتصاد الفقراء الذين ليس لهم موارد أخري و ليس لديهم نظام إجتماعي ليرمم حياتهم و يصلح أيامهم.
أما عن المرأة فحدث و لا تكف عن العويل ،فهي التي تعمل في الحقل و ترعي الأبناء في غياب آبآئهم و تموت جوعا لتطعمهم و تقتل لتدافع عنهم،و هي التي يشتهيها الغرباء ،و هي التي يتركها اللصوص بعد معركة إغتصاب لتصبح المظلومة عارا علي أهلها،يتخلصون منها بالقتل أو تفرض عليها قوانين المقاطعة الجائرة محرومة من الأخ و الإبن،فهي الموؤده و أن تُركت لتعيش،و التي يريدونها و يتمنون موتها حتي لا تكون سببا لكشف شرفهم المدعي.
حنا مينه…. كنت قاسيا كما كنت دوما و لكن الجشع في البشر هو ما جعل حياتهم أقسي و أظلم.