الأخبار الثقافيةمقالات

الدعاء كأدب بليغ

بقلم – رزان البكر:

ان الدعاء جانب مهم من آداب اللغة العربية غفل عنه البعض رغم بلاغته، هو نثر فنّيّ ونمط بديع للتعبير، وهو من أبرع أنواع البيان الساحر من فنون الكلام.

الدعاء قبل أن يكون ألفاظ وجمل، هو نور مضيء يضيء قلب العبد فيفيض على لسانه، وبمقدار صفاء القلب يكون ضياء دعائه مشعاً ويستجاب له.

ويمكن استشعار عناصر الدعاء من خلال العنصر الرئيس، وهو عنصر المحاورة الانفرادية بالآتي:

  • العنصر الإيقاعي: بوجود عنصر إيقاعي عند تلاوته متمثل بالتجنيس والسجع ونحوهما، اشهرها الجناس والسجع تقوم جمالية الجناس على أساس تكرار مجموعة من الحروف في الكلمات المتجانسة، ما يمنح الكلام صفةً إيقاعيّةً تشدّ انتباه المتلقي بينما السجع هو ما يوقع الأديب بين الكلمات في نهاية الجمل أو المقاطع، ما يحدث نوعاً من التوافق الصوتي.
  • العنصر الصوري: دعاء لا يعطي نفس الأهمية للإيقاع يكون الداعي متقدم بسرد حاجاته بلغة واضحة قد تشمل المناجاة، اما عن تراكيب الدعاء التي استعملت في الأدعية التي وردت في نهج البلاغة فهي مختلفة في الصيغ ومنها: صيغة الخبر، استعمال الجمل الفعلية والإسميّة، الفعل الماضي أو المضارع المسبوق بـ (لا) النافية، صيغة فعل الأمر أو النهي الخارج إلى الدعاء مجازاً وغيرها.

وفي سياق الكلام لا ينفرد الدعاء باستعمال صيغة من دون صيغة أخرى، قد تتّحد الصيغ، ونجدها تتداخل فيما بينها، لتشكّل الدعاء البليغ، اجتمع البيان والبلاغة لدى الأعراب قديماً، فكانت الصحراء بحرَهم الزخّار الذي يستخرجون منه دُرر الفصحى، وكان الرواة يبحثون عنهم بحثاً، ودوّن المهتمّون كلماتهم.. فروَوا لنا ما تفخر به مكتبتنا الأدبية التراثية مما يدهشنا ويفيدنا كلما قرأناه..

مِن الكِتاب القيّم “جمهرة خطب العرب”، لجامِعه أحمد زكي صفوت، عاش موسم الحج مع بعض هؤلاء الأعراب البلغاء، وكثرت فيه ادعيتهم الفصيحة، فقال “سفيان بن عيينة” سمعت أعرابيا يقول عشية عرفة: “اللهم لا تحرمني خيرَ ما عندكَ لشرِّ ما عندي، وإن لم تتقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المُصاب على مصيبته”.

وعند الكعبة شُهد هذا الموقف وقال: رأيت أعرابيًّا متعلقاً بأستار الكعبة، رافعًا يديه إلى السماء وهو يقول: “ربِّ، أتراك معذبُنا وتوحيدُك في قلوبنا؟ وما إخالك تفعل.. ولئن فعلت لتجمعنّا مع قوم طالما أبغضناهم لك”.

وقال رأيت أعرابيا أخذ بحلقتي باب الكعبة وهو يقول: “سائلك عند بابك.. ذهبت أيامُه، وبقيتْ آثامه، وانقطعت شهوته، وبقيت تباعته، فارْضَ عنه.. وإن لم ترض عنه فاعف عنه غيرَ راضٍ”.

وقال “غيلان” شاهداً على بلاغة الاعراب وموصي بالاستماع لها: “إذا أردتَ أن تسمعَ الدُّعاءَ فاسمعْ دُعاءَ الأعرابِ”.

ومن ادعية احدهم اذ دعا: (( اللهمَّ اغفِرْ لي والجلدُ باردٌ، والنَّفسُ رطبةٌ، واللِّسانُ منطَلِقٌ، والصُّحُف منشورةٌ، والأقلام جاريةٌ، والتوبةُ مقبولةٌ، والأنفُسُ مريحةٌ، والتَّضرُّعُ مرجوٌّ))

وقال الأصمعي: رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة وهو يقول: “إلهي، عجّت إليك الأصوات بضروب من اللغات يسألونك الحاجات، وحاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البكاء إذا نسيني أهل الدنيا، اللهم هب لي حقكَ وأرضِ عنى خلقك، اللهم لا تُعْيِني في طلب ما لم تقدّره لي، وما قدّرته لي فيسِّرْهُ لي”.

صور و تشبيهات تضرع بأسمى المشاعر والحروف، أن البلاغة هي إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من صور اللفظ والدعاء ما هو الا رجاء القلب، وبتلك المشاعر التي تحضر عن قراءة بليغ الدعاء ادعوا سراً و جهراً ايقاعاً وصوراً عسى ان يجيب لنا المولى جميعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى