إبداعات

“يا صاحب المدد”.. كتاب ينصف الشاعر المصري زكي عمر المفترى عليه

بقلم- الشاعرة والناقدة الفلسطينية سهام داود:
” من المؤكد أن هذا الاختفاء، أو هذه السرقة.. قد تمت ـ بمنطق الأشياء ـ ليتم التغطية على الجريمة الأصلية التي وقعت بحق كلمات “مدد .. شدي حيلك يا بلد”، وشاعرها زكي عمر، بعدما تم تحجيمه، وتهميشه، واستبعاده، واعتقاله، وقهره، وطرده، خارج الوطن في عهد الرئيس السادات”.
الكاتب خيري حسن
صدر في هذه الأيام، في القاهرة، للصديق الكاتب الصحفي المصري، خيري حسان، كتاب “يا صاحب المدد” ، عن “المكتبة العربية للنشر والتوزيع”، المصرية.
يتناول الكتاب – الذي كتبت فوق غلافه عبارة “سيرة شاعر ومسيرة وطن”، أزمة طالما شغلت الكاتب في الآونة الأخيرة، وأصر على التنقيب في زواياه حتى استطاع أن يصل الى جلاء الحقيقة وأصلها.
يطرح الكتاب قضية نسب كلمات الأُغنية الشهيرة “شدي حيلك يا بلد” والتي كتبها الشاعر المصري، زكي عمر، وطرحت كمسرحية غنائية في الستينيات ، وتم إلصاقها كذباً لآخر .
ويُسوق الكاتب الشجاع، خيري حسن، عبر صفحات كتابه هذا، الأدلة التاريخية والمنطقية، مستشهدا بأخبار ومنشورات ووثائق وكتب، تثبت نسب الكلمات لكاتبها الحقيقي، زكي عمر، كما يستشهد بشهادات من عاصروا الشاعر وتلك الأزمة.
يقول خيري حسن، في تصريح خاص لصحيفة “الوفد” المصرية : “إن سرقة كلمات [مدد.. شدي حيلك يا بلد] من شاعرها الأصلي زكي عمر { 1938 – 1987} جريمة لم تنته عند هذا الحد ؛ بل إنها امتدت إلى اختفاء أو -إن شئت الدقة- سرقة المسرحية كلها [النص نفسه] من “المركز القومي للمسرح”، والمنوط به- بالأساس- حفظ تراثنا المسرحي عبر تاريخه القديم والحديث! [ ألا يكفي”جراد الذاكرة” الذي خرج علينا من شقوق الأرض، وهجم، ونبش، وخطف، وسرق – تراثنا السينمائي من قبل.. ألا يكفيه تلك الجريمة، فذهب – أو ذهب أعوانه – ليسرق تراثنا المسرحي عن نصر أُكتوبر ] !
ويضيف خيري حسن: “لقد ذهبتُ إلى المركز الكائن في حي الزمالك، وسط القاهرة، وبحثتُ عن مسرحيتي [الشرارة] – و [مدد.. شدي حيلك يا بلد] للشاعر الراحل زكي عمر {يوم ٢٣ نوڤمبر / تشرين الثاني صادف ذكري ميلاده} ضمن أرشيف المركز، فوجدت جميع مسرحيات نصر أكتوبر موجودة في الأرشيف؛ باستثناء مسرحيتي زكي عمر ! لقد اختفى العملان رغم أن المركز في عام 2015 أصدر كتاباً – أو كُتيباً – عنوانه (سلسلة مسرحيات أكتوبر) نشرت به كلمة لوزير الثقافة ـ حينذاك ـ حلمى النمنم، وكلمة للمخرج خالد جلال، يتحدثان فيهما عن قيمة، وأهمية، وحتمية، هذا المشروع لحفظ تراثنا المسرحي لنصر أكتوبر”.
ويضيف خيري حسن : “المؤلم، والمحزن، في الأمر إنني وجدت بين صفحات الكتاب اسمي المسرحيتين، ضمن أسماء النصوص التي يتحدثان عنها، لكن في الواقع لا وجود لهما. وبعد عدة ساعات، تنقلت من مكتب إلى آخر.. ومن الدور الأرضي إلى الدور الأعلى.. أسأل، وأبحث، وأُفتش عن مسرحية (مدد .. شدي حيلك يا بلد) لكنني لم أجد لها أي أثر! وهذه المسرحية تحمل اسم مؤلفها، وكاتبها، وشاعرها الأوحد “زكي عمر”، والتي تقاضي عليها من “وزارة الثقافة”، عام 1973، مبلغ 36 جنيهاً، كأول مسرحية انطلقت لتساند جنودنا على الجبهة، وهذا باعتراف الفنانة القديرة سميحة أيوب نفسها في تصريح لها مع الزميل محمد عبد الفتاح نُشر فى صحيفة “المساء”، بتاريخ 15 ديسمبر 1973 قالت فيه: “لولا [مسرحية.. مدد] التي جُهزت في ثلاثة أيام لاضطررنا إلى إغلاق المسرح”!
لقد جاءت أشعار زكي عمر الحماسية، الصادقة، فى هذا النص، كأول عمل قُدم عن “العبور”. وتم عرضه ليلة 13 أكتوبر 1973على خشبة المسرح. وهذا كله يُثبت الجريمة ولا ينفيها !
ويتساءل خيري حسن: فهل كان الوزير “النمنم”والمخرج “جلال” يعرفان بهذه الكارثة؟ أنا لا أعتقد ذلك. إذن هل تم توريطهما فى الأمر لدرجة أنهما يكتبان مقدمتين لكتاب يضم بين أوراقه مسرحيات سُرقت أو اختفت بفعل فاعل؟! ربما.. ! إن جريمة سرقة تراثنا المسرحي ـ وهو ليس أي تراث ـ يجب ألا تمر دون مساءلة، أو تحقيق أو توضيح من “وزارة الثقافة” نفسها. لقد سُرقت كلمة المقاومة، والتضحية، والفداء، والنداء التي كانت تساند الجنود على الجبهة، لذلك يجب على “وزارة الثقافة”، و”الهيئة الوطنية للإعلام”، وقطاعات المسرح، تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، يُستدعى لها كل مسؤول شارك بالفعل، أو بالجهل، أو بالصمت، على هذه الجريمة التي لا تسقط بالتقادم.
ويختتم الكاتب الصحفي، خيري حسن، الذي هو صاحب الفضل في استعادة ذكرى هذا الشاعر، الذي غُبن وظُلم، بحياته ومماته، حديثه قائلاً :
[ ومن المؤكد أن هذا الاختفاء، أو هذه السرقة.. قد تمت ـ بمنطق الأشياء ـ ليتم التغطية على الجريمة الأصلية التي وقعت بحق كلمات “مدد .. شدي حيلك يا بلد”، وشاعرها زكي عمر، بعدما تم تحجيمه، وتهميشه، واستبعاده، واعتقاله، وقهره، وطرده، خارج الوطن في عهد الرئيس السادات، ليعيش مهاجراً حتى موته غرقاً، عام 1987، في مياه “بحر العرب” بدولة اليمن.
وهذه الواقعة – جريمة اختفاء النصوص أو سرقتها من مؤسسة تابعة لـ”وزارة الثقافة المصرية” – ليست جريمة في حق الشعر والشاعر فقط ؛ ولكنها جريمة في حق الوطن والمواطن].
وجدير بالتنويه والتذكير أن خيري حسن، نفسه، كان أثار هذا الموضوع الجدير في كتابه الهام “أرواح على الهامش.. عباقرة ومنتحرون” الذي كان صدر في العام الماضي، عن “دار ابن رشد”، لصاحبتها الفلسطينية  المصرية بيسان حهاد عدوان، إن أُغنية “مدد .. شدي حيلك يا بلد”، من أعمال الشاعر الراحل زكي عمر، وليست للشاعر إبراهيم رضوان (وهو ، فعليًا، “الشاعر” المنتحل)، كما هو معروف، انتحالاً بل سرقة، طوال السنوات الماضية، وكتابه السالف أثار حالة من الجدل في الأوساط الفنية والثقافية، بحيث يعود الحق إلى صاحبه، حتى ولو أدبيًا وأخلاقيًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى