إبداعات

رسالة إلى امرأة رَبِيعية

بقلم- نايف مهدي:

عزيزتي:
منذ لقائنا الأول ما زلت ألتقيك -حتى اللحظة- في أعطاف مخيلتي، في أطياف منامي، في تماوج تيارات النسيم، واهتزاز خمائل الأيك وانعكاس المرايا. لصوتكِ نغمة مشبعة بالدفء تنفذ إلى أعمق بقعة في قلبي نفاذ شعاع الأصيل عبر تصدعات الصخر.

أتعلمين عزيزتي أني أجد ريح عطرك كلما تفتحت زهرة بين يدي الصباح وانسالت قطرات الندى عبر براعمها، وكلما هبت نسمة غربية متعطرة بأرج البنفسج وعبق أزهار اللافندر.

الحق أقول ولا أبالغ إن أخبرتك أني أحتسي قهوتي مستغرقًا في خُلجان ذاكرتي، وما هو إلا ارتداد الطرف حتى تنتابني رعشة اليقظة وتغمرني وحشة السكون فينسكب سناء النور بغزارة على ذرات جسدي وجداول أوردتي عبر حلقةٍ تثقب السحاب كأنها خاتم من عقيق مسجور.

فأرقب رقعة الأرض وهي تَنْسِلُ مدبرةً من بين قدميّ، فيثور وجيب قلبي وترتج مصاطب أضلعي، فألقي برأسي بين عاتقيّ وأعصب عينيّ بملتقى أناملي؛ مخافة أن تذهب بهما زوبعة الوهج الهاطل.

وهكذا أقفل عائدًا من شِعاب الخيال، فأستفيق على نغمة عابر يومئ لي بالتحية أو وخزة بين كتفيّ من إصبع منتظر يقف متململًا في ركود طابور بشري طويل. فأعود حينها لارتشاف قهوتي، فلا أجد منها شيئًا، فأتبسم ضاحكًا ولا أعجب لذلك، لأن ثغرك الزهري قد سبقني إليها، وأسلمني برهانًا يأبى الزوال ويستغلق على أعراف التفنيد والنقض، فها هي ذي صِبغة أحمر الشفاه تطوق حواف فنجان قهوتي، وما هي بمسحوق شجيرات البُنّ ولا أطايب أشذائها، إنما هي أثر مستبين يطابق مرور شفتيكِ على أنحاء جسدي.

فأرتحل عقب إغفاءتي الهذيانية من شريط الحُلم إلى واقعية اللحظة، متلمسًا إياك في بدائع خلق الله وصنائع يده، فتخطرين لي حينما يسطع على فناء منزلي شعاع نجم مندثر، وحينما يترامى إليّ إنشاد الطيورِ قُداسَ الحياة، وحين يغسل المطرُ قبة السماء برذاذٍ مُطَهَّر، وحين يُعمّد العُشاق أولى قُبلاتهم ويبارك اِلتواء الجيدين أعطار أنفاسهم.

عزيزتي: لئن عزّ علينا اللقاء وطوى كشحه عنّا ونأى بجانبه فلا تجزعي وقريّ عينا؛ فهأنذا أصور اللقاء إثر اللقاء وأصل الأمس بغده، ويومي بما يبدد نهاره، وليلي بمطلع شمسه، حتى أضع بين يديك يوم ألقاكِ دهرًا كاملًا ارتهن بجلاء وجهك وانطلاق مُحياك وعذوبة أنفاسك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى