قراءة في كتاب “وهابي خارج الدائرة” للدكتور يوسف الرشيدي
عرض وتحليل: حمد حميد الرشيدي
كتاب “وهابي خارج الدائرة” الصادر بطبعته الثالثة عن دار مدارك للنشر بدبي، لمؤلفه الدكتور يوسف بن عبد الله الرشيدي.
يقع هذ الكتاب في 173 صفحة من القطع العادي, وهو – في مجمله – عبارة عن (اطلاله من رؤية دينية اسلامية معاصرة) على عدة قضايا , تتعلق – تحديدا – بشؤون المرأة المسلمة ووضعها في بلادها, ومقارنته بوضعها خارج البلدان الأخرى , خاصة تلك البلدان غير المسلمة, ومن جوانب شتى, أهمها : اللباس الشرعي للمرأة المسلمة(في بلادها وخارجه) والآراء الفقهية حول صفة هذا اللباس, وتعدد أشكاله وأنواعه, سواء ما يتعلق منه بالوجه والكفين, أو ما يتعلق بالأعضاء الأخرى من الجسم, ومدى جواز ذلك من عدمه, استنادا الى النصوص الشرعية من القرآن والسنة, ورأي جمهور علماء المسلمين وفقهائهم حول هذا الموضوع.وحول هذه النقطة يناقش المؤلف ما تتعرض له المرأة المسلمة من حرج ومضايقات ناتجة عن لباسها الخارجي, كالحجاب والنقاب – مثلا – عندما تكون خارج بلدها المسلم,لغرض الدراسة أو العمل أو لأي شأن آخر يتطلبه وجودها بعيدا عن وطنها, في بلدان الغرب. وكيف أن مثل هذا اللباس يسبب امتعاضا للإنسان الغربي, لكونه -على حد تعبيرهم –غطاءا تنكريا, يعيق لغة التواصل الاجتماعي بينهم وبين الآخرين, فـهم” يخشون الوجوه المقنعة”.
كما يتطرق المؤلف أيضا في كتابه هذا الى بعض المسائل المتعلقة بالأسرة المسلمة, وأهمية المرأة في منزلها وعلاقتها بمحيطها الأسري , كزوجها وأطفالها وأقاربها وذويها, وما هي المعايير الدينية الصحيحة الضابطة لهذا المحيط وأثرها في نشوء الأسرة المسلمة, وتربيتها على أسس إسلامية سليمة, بعيدة عن التزمت الديني والتطرف المذهبي والفكري والعقائدي.
وفي الجزء الأخير من الكتاب تطرق المؤلف الى مسائل أخرى تهم المجتمع المسلم العصري معرفتها, وهي كانت ولا تزال مثارا لتساؤلات كثيرة من قبل الرأي العام , ومحل خلاف بين علماء المسلمين اليوم حول مدى شرعيتها ,وضوابطها, كالمعاملات البنكية (البنوك الاسلامية) والتجارية والأنظمة الاقتصادية ,وأسواق الأسهم, وغيرها.
وهناك مسائل أخرى كانت أكثر خصوصية تناولها مؤلف الكتاب, وأثيرت حولها أراء كثيرة عبر وسائل الاعلام المختلفة,واختلفت حولها وجهات النظر, بين مؤيد ومعارض, وهي – في غالبها – تتعلق بـ (الاختلاط والابتعاث الخارجي)وتكاد تكون مثل هذه المسائل – تحديدا – مقصورة على ما يواجهه بعض الطلاب السعوديين, ممن يكملون دراساتهم في بلاد الغرب ,أو خارج المملكة العربية السعودية.
ومن الواضح جدا في هذا الكتاب – ككل – أن مؤلفه اعتمد فيه أسلوب الملاحظة الحيثية والانطباعات الشخصية المباشرة, التي كانت نتيجة وجود المؤلف خارج حدود بلاده لسنين طويلة لغرض الدراسة , واكمال تحصيله العلمي في بلاد الغرب (أمريكا) في مرحلة البكالوريوس, حيث حصل على(بكالوريوس الهندسة الكهربائية) من احدى جامعات الولايات المتحدة, ثم في (استراليا) التي كانت آخر محطات مسيرته التعليمية والأكاديمية , وحصوله منها على درجة (الدكتوراه) في تخصص (التسويق).
ولم تكن أراؤه في كتابه هذا الا بمثابة (انطباعات شخصية) قام بتدوينها على الورق , ثم استيضاحها ومناقشتها ومعايرتها أو محاولة طرحها من وجهة نظر اسلامية صحيحة, بعيدة عن التزمت الديني , والميول الشخصية , والأهواء ذات النزعات المتطرفة أو الفردية, ومن ثم قام بجمع هذه الانطباعات وطبعها ونشرها في هذا الكتاب الموجود بين أيدينا الآن.
وفي الختام أقول:ان ميزة هذا الكتاب أنه يحاور قارئه, ولا يهمشه, وانما يجعله طرفا في المعادلة المتوازنة الأطراف, التي تحترم القارئ , وتحاول الارتقاء بعقله وتفكيره ومشاعره.
وكان أسلوب مؤلفه رائعا حقا, حين جعل من محاورة الآخرين طريقا للوصول الى ذائقة القراء, وكأنه يحيل مادة الكتاب الى ما يشبه (السيناريو) الذي ينقل لنا صورا حية ومفصلة لتلك الشخصيات المتنوعة فكريا وثقافيا ولغويا ودينيا وجغرافيا, والتي قام المؤلف نفسه بمحاورتها شخصيا , حول مفهومها للدين الاسلامي والمجتمعات العربية والمسلمة وخاصة مجتمعنا السعودي المسلم المحافظ, وكيف ينظر اليه غير المسلمين, وبعض الليبراليين من الشعوب الأخرى, وغيرهم من أولئك المتحررين الذين يؤمنون بفكرة(فصل الدين عن الدولة). ولذلك ابتعد المؤلف في اسلوبه عن(تهميش الآخر) او تجاهله, أو تسفيه آرائه, وعن الجدليات العقيمة والتقعر والتشدق ببعض التعابير الخارجة عن الأدب , وحدود الذوق العام للناس, مهما كانت أعراقهم ودياناتهم وهوياتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم .
وتمثل لنا ذلك في كثير من المواضع في الكتاب, اذ أورد المؤلف نماذج عدة لمثل هذه (الحوارات السيناريوية) مع مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين التقى بهم في أماكن مختلفة أثناء دراسته في الخارج , وامتدادها لسنوات طوال, كبعض زملائه على مقاعد الدراسة , أو بعض من تعرف اليهم ( من غير المسلمين ) من مدرسيه في كثير من المقررات الدراسية في الجامعات التي تلقى فيها تعليمه.
وجميع هذه الحوارات مركزة على نظرة المجتمعات الغربية والرأسمالية والاشتراكية للدين الاسلامي, كتنظيم أو تشريع صالح لكل زمان ومكان, وكيفية تصورها له تصورا ناقصا أو غير صحيح,وفهمها له فهما يفتقد الصحة وسلامة التفكير, والنظرة الحقيقية للأمور على أصولها.
وكان المؤلف يعالج هذه النظرة المتعسفة الخاطئة للإسلام والمسلمين والمجتمعات المسلمة طيلة هذه الحوارات التي أشرنا اليها , وعلى امتداد صفحات كتابه هذا.