قوة الالهام بين صناعتها و مدى جدوى الاعتماد عليها
بقلم – رزان البكر
أن يظهر لك النص بكل وضوح وفصاحة قصوى يُلقن عليك وتراه وكأنه مكتوب أمامك بالحركات وعلامات الترقيم بالشكل الذي ترضاه نفسك ذلك نعيم لكل كاتب، إن الالهام له قوة ترفع الكُتّاب – بل كل من يصنع الفن – للعلو بما يصنع لخلق ابداع لا يشابه ما سبقه..
الا ان الكُتّاب المحترفون يرون إن الانتظار إلى أن يحلّ الإلهام هو في العادة مضيَعة للوقت لا أكثر.
“لا يمكن للمرء الاعتماد على الإلهام. وأنا لا أؤمن به حتى. أؤمن فقط بالعمل. فالعمل يولّد العمل. و ما يُحبطني إلى أقصى حد هو عدم معرفتي ما أنا مُقدم على فعله.
هكذا تُرغم شيئاً ما على أن يحدث ..لا يمكنك أن تجلس هنا وهناك تفكر. عليك أن تجلس هنا وهناك تعمل.” هذا ما قاله “ديفيد لونغ” عنه واتفق نخبة من الكُتاب عليه.
إن نظرنا إلى الكتابة كوظيفة فسيكون انتظار الالهام بلا معنى كيف للطبيب ان لا يعالج مرضاه سوى ان وجد له الهاماً لعلاجهم؟! لا معنى للالهام عندما يفترض منك إنجاز مهمة سواء كانت تشخيص حالة أو إنهاء مقال..
قد يكونون بعض محترفي الكتابة ليسو بحاجة التوسل إلى قوة الالهام لتقوي حروفهم فهم يكتبونها واحدة تلو الاخرى في عملية منتظمة بكل مهنية فتخرج لنا سطوراً قوية دون الهام.. لكن ليس كل الكُتاب المحترفون ينكرون قوة الالهام فالروائي “وليام فوكنر” ذات مرة قال : ” إني لا أكتب إلا حين أكون ملهَماً”، و لكنه أضاف: ” ولحسن الحظ، فإني أكون ملهَماً عند الساعة التاسعة كل صباح” ، مؤيد بقوله قوة الالهام واثرها على كتاباته..
قد يكون تفسير موعده التاسعة صباحاً من كل يوم هو انه تمكن من جلب الالهام كعادة أي انه اجتهد في ممارستها بقصد او دونه واصبح الالهام جراء اجتهاده صديق لا يخلف موعد الزيارة
قد يكون من الاجتهاد في عملية الكتابة الاجتهاد في إيجاد الهام لها في حال ان كان الكاتب لا يمكنه الاستغناء عن قوة الالهام فهناك العديد من الوسائل الرائجة للحصول على بعضه السفر الترحال والتأمل، ويحدث ان يبرز في رؤوسنا فجأة – بعد الاستسلام عن مطاردته – بلا سبب أو مقدمات! ولعل ظهوره المفاجئ يفسر بكون العقل الباطن للكاتب يكمل اعماله طوال الوقت دون وعي وعند إيجاد الكلمات المنشودة لاكمال العمل يقذف بها الى الواعي لتحدث المعجزة لذا قد تكون احدى الوسائل ايضاً ان نحقن اللاواعي لدينا بوجوب إيجاد الالهام..
اما الطريقة الأقوى لصنع ابداع ادبي هي استلهامه من التجارب فهي ليست بمصادفة ان لكل كاتب عظيم تجربة ثرية و متنوعة ان التجارب الشخصية انها عنصر كاف لاستلهام ما يكفي لصنع ابداع ادبي في كل عمل اياً كان نوعه لكن أي نوع من الحيوات نحيا واي من التجارب نخوض كي نصل لما يصقل لنا إلهاماً يجلب الابداع لما نصنعه ؟ “الحياة بطريقة صحية افسدت وآمنه افسدت الادب” هذا ما كتبه كربس أبوزيد في مطلع مقاله الشهير “هابطاً في دوامة الجنون والكوكايين” الذي ذكر فيه ان البؤس والعذاب و اليأس عوامل مهمة لصنع كاتب عظيم ولقد وضع دليل صغير أراد ان يتبعه الكتاب.
وهو يتضمن : قصة كارثية في الطفولة، زواج او علاقة تعيسة، تعاطي مخدرات، الديون، الرفض، الامراض، وأوصى بأن يكون العذاب بسببها أو بسبب حدها رب الالهام لمعشر الكُتاب كي لا يفسدوا الادب وصية كريس أبوزيد بان يكون العذاب رب الهامك ليست منطقية على الدوام فأن وقف معتقد أو مبدأ رافضاً أحد بنود دليله الصغير لن يكون التصرف الصحيح في الكسر او الخرق، لكن ان كان الكاتب يتعذب بالفعل من احدها فالاحرى به ان يتمعن في عذابه لصنع ادب ليس بفاسد بناء على نهجه..
تبدو صناعة الالهام بهذه الطريقة كالاقتراب من الغرق بعد أن دفعتنا التجارب إلى داخلنا وأن ننجو بعدها كان نفوز مع كل نفس نستنشقه بشعور ان ما ينتشر بداخلنا من هواء يحمل جزيئات لا تشابه ما اعتدنا على تنفسه قبلاً انه يدعى الهام التجربة لا قرار ولا مصاب ولا نتيجة..
يمكن الاعتماد على قوى أخرى للكاتبة خاصة عند أولئك الذين امتهنوا الكتابة وأصبحت عملهم الذي لا يبالي ان تقوى بالالهام أو لا ويمكن السعي نحو قوة الالهام لتكون سندك في سرد الكلماتً وبين هذا وذاك كل كاتب يرغب بنتائج ترضيه كلمات تسرد من اعماقه تصف أفكاره.