هو
قصة قصيرة – د. سميرة شرف:
صباح ككل صباح ٍ مر سابقًا ..استيقظت متكاسلة تشعر بذلك الشعور العجيب الذي ينتابها يوميًا قشعريرة وبرودة شديدة في جسدها رغم دفء الجو ووجود الشمس التى تحاول اقتحام نافذتها المغلقة دائمًا .. تثاءبت .. حركت قدميها تحفذهما علي النزول .. وقفت .. ماذا تفعل ؟ لقد كرهت كل عاداتها اليومية حتى الإفطار , لم تعد لديها رغبة للطعام..
قررت الاستحمام لعل الماء يمنحها حماسها الضائع .. انهته .. ذهبت للمرآة .. وقفت تصفف شعرها .. سرحت .. عادت للماضي تذكرت يومَ أصرت علي الطلاق .. الطلاق لحظتها كان يساوي الحرية .. لكن أي حرية ٍ تلك .. ماذا أخذت من الحرية ؟! بل ماذا أعطتها الحرية ؟! ..
لقد تدرجت في عملها حتى أعلى المناصب .. نجحت بكل مقاييس النجاح .. الكل يشيد بتفوقها .. الكل يتقرب إليها .. يعجبهم جمالها .. تعجبهم أناقتها .. تعجبهم رشاقتها .. محمولها لا يكف عن الرنين طوال اليوم .. فجأة وصل قطار المعاش .. حانت اللحظة أقاموا حفلًا كبيرًا ملأوا أذانها بكلمات المديح والإطراء , انتهى الحفل .. عادت إلي بيتها وحيدة لا أنيس ولا جليس فقد رفضت كل عروض الزواج التى جاءتها بعد الطلاق إيمانًا بحريتها..
اليوم البيت بلا أولاد بلا أحفاد .. أضاءت شمعة جديدة في كعكة صغيرة احتفالًا بعيد ميلادها , منت نفسها بسنوات كثيرة سعيدة فالحياة تبدأ بعد الستين .. لم يمض شهرٌ حتى صمت محمولها وفي أحيان كثيرة كانت تطلب هى ولا أحد يرد، امتنعت عن استعماله إلا لطلب احتياجاتها من ” السوبر ماركت ” ..
اغرورقت عيناها .. قررت الخروج للحديقة أعدت “سندوتشات وترمس الشاي ” بدلًا من الإفطار .. حملتهما وكتابها وأخذت العصا تلك الصديقة اللدودة التى صحبتها بعد المعاش وخرجت .. مشت متثاقلة .. اشترت جريدتها .. وصلت الحديقة .. جلست في ركنها المعهود .. راحت تتصفح الجريدة وهى تتناول “السندوتشات” ..انتبهت الي ضحكة طفلة في الثالثة من عمرها تجري وتمرح حولها .. داعبتها اقتربت الطفلة من مقعدها تشاكسها .
_ تعالى هاتي بوسة .
ضحكت وابتعدت .. دقائق وعادت تشاكسها مرة أخرى.
_ تعالى اسمك أيه ؟
صهلت صهلة مهرة صغيرة سعيدة ثم ابتعدت.. سرحت من جديد ليت لي حفيدة مثلها .. عادت تلك المهرة الجميلة تصهل بجوارها .
_ تعالى .. لاتخافي .. تعالي .
فجأة ظهر رجل نحيف أشيب يقترب من السبعين
_” تعالى هنا يابنت .. ماتضيقيش حد , عيب ده “.
رددت : أبدًا هي لطيفة جدًا .
ارتفع بوجهه إليها قائلًا :
_ “ده من ذوقك ياهانم “.
التقت عيونهما فجأة .. لمعت عيناه وأحفض وجهه سريعًا .. سحب الطفلة من يدها بقوة ومضى , بينما هى اغرورقت عيناها بالدموع فقد كان هـــــــــــــو .