مقالات
أناشيدٌ صامتةٌ في رحيلِ عبد الله الجاسم
محمد الفوز – الخبر
لم تكن الورقة الأخيرة التي أعدَّها فقيدنا المرحوم عبد الله الجاسم سوى ترنيمة حب و أنشودة أبدية منذورة للصمت، فالكلام مهما كان عذبا و يتدفق في اتجاهات عدة إلا أنه سينضب لكن اللحظات الهادئة أكثر حميمة للذكريات و هذه اللقطة السينمائية تتكرر عند لقاءاتنا (بأبي ضيف)، و كأنه يعلمنا – بل يعلمنا فعلاً- أن الأرواح لها إيقاعٌ داخلي لا يشعر بها إلا عازف مبدع بألحان المحبة و لكن…. إذا كان الغياب فريضة يومية يجب أن نؤديها في طقوس الموت بحالة صخب هنالك أشخاص توشحوا أبهى حُلل الطمأنينة و تأنقوا بكبرياء الخجل و اقتدوا بسُنن التواضع حتى ابتكروا طريقا عصياً على الآخرين فهمه أو التكهن به و هو أسلوب التواصل الإيحائي – إن صح التعبير- حيث كان فقيدنا جديرا بالحنين و كل دمعة سقطت على خد الزمن صدقوني لن تجف لأن طباشير الوفاء التي سطر بها أجمل دروس الأخوة جعلته أيقونة ساخنة في المشهد الثقافي.
اشتهر بين المثقفين بالمفكرة الثقافية التي يجمع أبرز المناسبات و الفعاليات الثقافية في الأسبوع كي يرشدنا – نحن السادرون في غيابة الجُبِّ- و لو لم يجدنا حوله أو معه أو قربه كان يبادر بالسؤال و يحِنُّ كما يئنُّ أيضا على نحو الصبابة إن شئت أو على سبيل المندامة و هكذا يدير بوصلته في كل ناحية من مشهدنا الثقافي و الإبداعي بُحبِّ كبير لدرجة أنك تستحي من عدم حضورك لدعوة مؤكدة من السندباد الثقافي عبد الله الجاسم – كما يحلو لي أن أناديه أحيانا- و لأنني لا أعرفه عنه سوى البعدين الإنساني و الثقافي لأمدّ جسر الرثاء حتى تتفجع ضفتيه من ثقل الأسى.
عرفته أيضا قاصا و مدونا و لكنه لم متذمرا رغم الصراعات التي كانت تدور حوله في الوسط الإعلامي و الشللية و التنمر الاجتماعي إضافة إلى أفق الثقافة الذي يتسع و يضيق بين النادي الأدبي و جمعية الثقافة و الفنون ناهيك عن انحساره و بلوغ مداه في الملتقيات الأهلية و الشائك في الموضوع أنك حين تحضر هنا يجب ألا تحضر هناك بمعنى يجب أن تكون طرفا في جهة معينة و لكن عبد الله الجاسم تغلب على كل الأطراف و كان عُقدَة الحبل و لم تنفك عراه أبداً حيث أبتعد عن الأدلجة و اقترب من الفن و الإبداع و الثقافة ووووو
الموت لا يترك لك مجالا للتخيل أو عدم تصديق الخبر أو محاولة الهروب من الفجيعة بأي شكل من الأشكال و لكن “اذكروا إبداعات موتاكم” و تأملوا حياة جديدة لهم و لا تكذبوا آثار القيامة فهي تمر سريعا و تترك أهوالها شاحبة في ندوب الأرض لذلك”هم السابقون” و ربما سبقناهم بأرواحنا المنفلتة في دهاليز الغربة؛ أليس كذلك؟