مقالات
من خربشاتي و قصاقيص أوراقي
بقلم- ريم عبد الباقي:
قدسية البشر..
لماذا نقدس من نحبهم، نرفعهم لمنزلة الآلهة ولماذا نبغض من نكرههم وننزلهم للدرك الأسفل من طبقات البشرية دون البقاء على موضوعية الحكم.
تلك الطبيعة البشرية المعقدة والتي تعتبر النجاة منها شذوذاً عن قاعدة التحيز البشري الفطري كما يحدث عند وضع قطعة من المعدن بالقرب من قطعة من المغناطيس ما الذي سيحدث في ظنك هل ستبقى القطعة المعدنية على الحياد، قابعة في المنتصف أم ستنحاز لأحد الطرفين؟
ولكن الفرق أننا لسنا تماثيل معدنيه..
المحبة أو الإعجاب بفكر شخص لا يجب أن يعني التقديس، والمعيار يكمن في قدرتك على نقد الشخص وأفكاره نقدًا علميًا محكمًا أو شخصيًا بالحد الأدنى، يكمن في رؤية كل الجوانب بشكل موضوعي.
فالبعض عندما يعجب أو يحب شخص يعمى فعليا عن رؤية أي جانب مظلم في شخصيته ويفقد القدرة على التمييز فيصبح متحيزا كليا..
قد يكون الشخص معميا بفعل مشاعره الجارفة أيا كانت فلا يرى إلا الخير والجمال أو القبح والشر دون وعي منه، ولكن أرجو ألا تتعجب عندما أخبرك بأن البعض يفعل ذلك برغبته وأرادته الواعية.. نعم..
فهو يعي تماما أن ذلك الشخص ما هو إلا بشر يكمن بداخله الخير والشر، المزايا والعيوب، يخطئ ويصيب، ولكن بسبب مشاعرة الجامحة يقرر بكامل وعيه التغاضي عن تلك الحقيقة وبالتالي عن كل عيوبه إذا كان محبا معجبا أو عن كل مزاياه إذا كان كارها حاقدا.
وتختلف قوة الانحياز في اتخاذ القرار بحسب القوة التي تغمرنا بها المشاعر.
والغريب أننا عندما نتحدث عن التقديس نجد أنه غالباً ما يكون هؤلاء المقدسين من الأموات الذين توارثت الأجيال تعظيمهم وتشبعت بكيل الثناء الغامر لهم وأحاطهم البعد الزماني بهالات التبجيل والتفخيم وجعلهم فوق مستوى المراجعة أو النقد أو التدارك، عندها يتدخل سحر الغياب وهالات البعد الزماني فتتضخم الصورة تضخماً مفرطاً ويصبح ترديد أقواله و تناقل ما بلغنا من عجائب أفعاله و عظيم خصاله مجرد تكرار لعملية الدوران المفرغ في حلقته، وبهذا يكون التعظيم المفرط عائقاً حقيقياً من عوائق النمو المعرفي والحضاري ومنبعاً متجدداً من منابع الجهل والظلم والتخلف.
يجب أن نتذكر دائماً بأن دنيا البشر لا يوجد فيها نهايات قصوى ولا قيمة نهائية وأنه مهما بلغ الفرد في السمو، العلم، الذكاء، الإخلاص أو الإيمان فإنه يبقى محدود العلم وقصير العمر وضئيل الطاقة ومعرّض للخطأ مهما بلغت عظمته.
يظل واحداً من البشر المغمورين بالنقائص فعظمته مهما كانت لا تخرجه من بشريته المحدودة وإنما هو يستحق التقدير النسبي وليس التقديس أو إخراجه من دائرة الضعف البشري الملازم لكل الناس، إن الخلط بين وجوب احترام المتميزين وبين الاستغراق في تقديسهم قد أدى على مر التاريخ إلى فواجع معرفية وحضارية دائمة الضرر وقمع تطور العقول وقدرتها على تمييز الحقائق.
نحن نحتاج لأن نحطم تلك الأصنام، أن نكفر بأوثان البشر الذين صنعناهم بأوهامنا..
أن نهدم معابدهم التي أنشأناها على أنقاض عقولنا ونتخلى عن الأغلال التي كبلت أفكارنا لسنوات وعقود و قرون، نحن حقاً نحتاج لأن نتخلى عن فكرة تأليه البشر.