إبداعاتالأخبار الثقافية

المستمع النائم

بقلم – دكتور صالح الشحري:

يذكر دكتور عبدالسلام العجيلى فى كتابه “ذكريات أيام السياسة” هذه الحكاية، قائلا: أنه توافق مع مجموعة من أصدقائه على أن يكون لهم تجمع يسمونه “عصبة الساخرين”، يضم مجموعة من أصدقاء أيام الطلب فى الجامعة الذين جمعهم هوي الأدب، و كان آنذاك نائبًا فى البرلمان السوري، و ما أن تأسست العصبة حتى صار كل عضو من أعضائها يكتفى بالتعريف بنفسه عند النشر فى الدوريات بـ “عضو عصبة الساخرين”.

و حدث أن نشرت مجلة الدنيا شعرًا لأحد أعضاء العصبة بتوقيع هو ما غيره عنوانها “حزب الأكثرية”، والذي جاء كالأتي:

أيها النائب الشهم الذي

يُدعى فلانا

لا أسميك فقد أُحكم

بالسجن زمانا

هات أخبرنى:

لماذا حين تأتي البرلمان

يرتخي الرأس على الصدر

و تغفو يا أخانا؟

قال: هذا مبدأ يبعث فى النفس الأمانا

نحن حزب نملأ الجو شخيرا و المكانا

لا نبالي إن أتانا زيد أو عمرو أتانا

نحن لا نخطب في المجلس،لكن منخرانا!

قلت:

و هل انتم كثير يا عظيما؟ جل شانا

قال: اخرس

إننا نحن خلقنا البرلمانا

ظن البعض أن الشاعر هو  “العجيلي” و أنه يقصد أحدًا من زملائه بعينه فى البرلمان، و لكن الأبيات كانت لشاعر آخر هو “حسيب كيالي”.

اطربتني هذه الأبيات، و ظننت نفسي معنيا فيها، فحيث انني اعاني من صعوبة النوم ليلا فسرعان ما تنتابني إغفاءة فى المكتب، أو بين خروج مريض و دخول آخر فى العيادة، أو في اجتماع لا اشعر بالحماسة للمشاركة في نقاشاته، و خاصة إن أدرك أن حضوري مجرد كمالة عدد و قد استدعيت لتجميل الديكور، و هكذا …

فى المؤتمرات الطبية أنا من الذين يلتزمون مقاعدهم فيحضرون كافة المحاضرات دون تفريق، وحيث ان بعض المحاضرات أو المحاضرين ممن لا يستدعون اهتمامى تجدنى أدخل في النوم سريعًا و يسقط رأسي على صدري احيانا، و قد اعتاد مني الزملاء هذا، و لمعرفتهم بجديتى و حرصى على العمل، و متابعتي الحثيثة لكل ما يستجد فى مهنتى و اخلاصي و حبي لمرضاي.

جعل هذه المسائل لا تعدو أن تكون طرفة تستدعى الابتسام، و انا لا أراها معيبة فخير أن تتناوم طالما انك منته من كل ما يحتاج عملا، من أن تنام عندما يحين وقت العمل  هكذا فإن في الأمر حكمة قد تخفى على البعض.

اختلاف الحال بين صعوبة نوم الليل و سهولة إغفاءة النهار مفهوم عندي، ففي البيت حيث نوم الليل هناك الكثير من الخيارات التى يمكن أن تعملها فتجد فى النوم إهدارًا للوقت، و هذا يستفز ضميرك فلا يدعك تنام إلا بعد جهد، تعبر عنه فيروز أجمل تعبير، قائلة:

آه يا عينئ لو يُشري الغفى

من عيون ما لكنت المشترى

بقى لى مع غفوات الاستماع حرج ينتابني مع خطبة الجمعة، فإذا ضبطت نفسي غافيًا انتابني تأنيب ضمير شديد، لأن خطبة الجمعة شيء من الدين الذي أكره أن أتهاون فيه،و خاصة في هذا العمر، و لكن ماذا أفعل؟ أعمق النوم يسيطر علي حين تكون الخطبة فارغة من أي مضمون، و تطول لغير ما سبب عندما يلقيها خطيب يحسن قواعد اللغة العربية، هنا يكون النوم هنيئًا، وربما احوجنى إلى إعادة الوضوء، أما أسوأ النوم فيكون عندما تكون الخطبة فارغة طويلة يلقيها أحد الذين لا يعرفون أحكام القواعد، فكلما رفع منصوبا أو نصب مرفوعًا أو استخدم الياء علامة اعراب مكان الألف أو الواو يوقظنى شاكوش ينزل على رأسى فيحدث لى ما يشبه الصرع.

وأخيرًا، وقانا الله وإياكم من الغفلة في موضع اليقظة، و جافى جنوبكم عن المضاجع لتسبحوا ربكم فلا تنسون ذكره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى