مقالات

قراءة في..رواية حيموت للكاتبة فاطمة الدوسري

بقلم – نايف مهدي:

لا شك في أن رواية “حيموت” روايةٌ شائقةٌ ممتعة، إذ تطرقت لأمور حياتية شتى ألمت بحيموت وأثقلت كاهلها طوال السرد، وليس بالضرورة أن حيموت مفردةٌ خاصة تقتصر على اسم بطلة الرواية، بل إنها تختزل في اندفاعات شعورها ورجفات قلبها الحائر مشاعرَ كل النساء في حقبة سابقة ما زالت ظلالها تحفّ بأسوار اليوم، وإن بهتت وشابها الضعف نوعًا.

إن حيموت تحكي عن النساء اللاتي خضعن لعنفوان الرجل المتسلط ونير العادات التي تسربت في عروق الأخلاف تسربَ الماء على سطح حجر مصمتٍ أملس، وكذلك تسلط الإخوة الجائر بحكم الذكورة ليس إلا.

خُلع على الطفلة اسم حيموت اعتباطًا عندما انتزعوها بضربة مشرط من رحم أمها الهامدة. لذلك أضحت تلك الطفلة(حيموت) هي القنطرة بين الحياة والموت. فيما ظل هناك حنين غامض يعصف بها ويثقل بالرعدة والتيه ما بين جنبيها، ويحاصرها كلما ارتمت على نافذة البيت، لعله الحنين إلى الوجه الأغلى لكل فتاة، وجه الأم، وجه الحياة الأسمى، ذلك الوجه الذي ظلت حيموت تتسقط طيوفًا من ملامحه من ألسنة المحيطين بها في معرض الحديث الهامس فقط.

بكل تأكيد أن حيموت طفلة تائهة علقت ضحكتها في دروب الماضي ، هي طفلة حتى وإن سبق اسمها حرف دال مرصع في اللافتة الزجاجية، إذ إنها إزاء أي خطر داهم، تغلق على نفسها أبواب الحاضر، وتعود راكضة إلى رحاب الماضي الباسم، حيث ضحكة الشيخ مترك التي تنهال مطرًا راويًا لصحراء كيانها الصغير، تسترجع لمسات يديه لها، وتفتخر حين يستمع إلى همسها وسط المجلس العامر بأعيان القبيلة، فيجلي الشيخ الوقور حنجرته قبل أن يقول معلقًا: تقول حيموت.. ثم يكمل ما أسرته به إليه، هنا تطير الصغيرة فرحًا وتشع عيناها بفرحة مضاعفة، وكأن الذي توده وتريده حيموت لا يتلبس كينونتها إلا حين يستعير أبوها اسمها مسبغًا عليه نبراتِ صوته التي تضيء قلبها كفنار شاطيء يكفنه السواد.

من أصعب المفاهيم التي عصفت بعقل حيموت هو مفهوم الصداقة، ما هو حدوده، وإلى متى يظل هذا العهد قائمًا، فكان أول ما تبلور هذا المفهوم في ذهن تلك الصغيرة هو صداقة “ملحان” ذلك الجمل الغادر، الذي طالما مسدت وبره ومسحت على خطمه بكل رقةٍ، وانطلقا في جولات فرحة في عرض البادية.

وبعد أن توثقت صداقتهما، اقتص الجمل من أبيها لانتزاع أمه منه عندما كان في أعوامه الأولى، وسحق عظام أبيها أمامها بكل وحشية، حتى تفجر ثوب الأب بالدماء وقلب الطفلة بالقهر العاجز ، ثم أخذ مفهوم الصداقة يتكشف عن جوانب أبعد بمصاحبة رقية التي كانت تشاركها أتفه التفاصيل وأصغرها شأنًا وكيف كان قلباهُما مسرحَ فرحٍ لأداور ثانوية يتشاركانها وكأنهما يفضيان بأشد أسرار الكون سرية إلى بعضهما البعض، ثم ارتحال رقية المفاجئ الذي وصفته الكاتبة بحشرجة ويا لها من كلمة عبقرية موفقه في سياق موقف الشابة المراهقة آنذاك.

أخيرًا، يتبلور مفهوم الصداقة لدى حيموت الشاعرة بشكل أكثر نضوجًا إلى حد ما، عندما تتعالق روابطها بالدكتورة فوزية، التي ظلت تستنهض فيها النبوغ الشعري ولا تدخر جهدًا في إنعاشها وتشجيعها، ومع ذلك فقد بقيت صداقة أكاديمية يشوبها الحذر ومحاولة الشروع المتخوف في المضي قدمًا خلال تلك العلاقة التي طفقت تزحف فوق مساحات فكر حيموت الشاعرة.

عمومًا ظلت الرواية تطرح علينا أسئلة وجودية صافعة ومشاعرية متواشجة تارة بالإلماح وأخرى بالتصريح المباشر. وأخيرًا، يأتي حل العقدة باقتران حيموت بمن خزنت قلبها له بسنابل الانتظار وثمار المستحيل، ليتماهيا معًا، وكأن لهاثَ العمر كان مجرد كذبة كبرى. وحينذاك فقط يحق لبطلة الرواية أن تغيّر اسمها بارتياح من حيموت إلى حياة خالية من قيد الموت مؤقتًا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى