صورة الوطن وتجلياتها .. للناقد سيد الوكيل
ديوان قرايه تانيه للجسد .. للشاعر عبد اللطيف مبارك
يظهر الجسد في أدبيات الحداثة وما بعدها ، علي نحو مشتبك بمعنى الذات ، فالجسد ، وهو نافذة الذات علي العالم ، فعلاقة الإنسان بجسده تنم عن مفهوم ثقافي اجتماعي يختلف من بيئة إلي أخرى ، وكأن الجسد هو الصورة التي تحدد هوية الإنسان ، وهو المكان الصغير / الوطن الذي يربط الإنسان بالمكان الأكبر ، فالجسد الذي يولد في المكان يتشكل به ويحمل علاماته وروائحه وذكرياته ، صبوات شهواته ألأولي ، وآلامه العميقة المؤثرة ، ومن ثم فالجسد جدير بتجسيد معني الوطن إلي جانب تجسيده لمعني الذات .
يقول عبد اللطيف مبارك في قصيدة ( قرايه تانيه للجسد )
وطن للروح شبيه ليه
وهن بيغادر المسافات
يسافر فيه ويجيني
يوديني
لأقرب حيرة من عيني
ولد ماشي علي مهله
بيندهله
زمن منحوتة أيامه
وليس مصادفة أن تقتفي القصيدة والديوان عموما تجسيدات مختلفة للوطن ، في صور حية موحية ، وإشارات بليغة إلي الجسد كقوله :
وبنت في حالها بتعدي
في ريق العضم شواكيشها
ضفاير من خيوط الشمس
تحت الجلد ما تحوشها
أنينها بيشرخ الضلعين .. وبتعدي
لأقرب حته من قلبي
فالعضم والشعر والجلد والضلعين والقلب ، كلها مفردات منحوتة من الجسد للتوافق في إشارات بليغة إلي المعنى الأول في مطلع القصيدة ( وطن للروح شبيه ليه ) .
وقريب من هذا التصور الاستعاري المجسد لصورة الوطن نجد الوطن الإنسان في تراكيب تنزع إلي التشخيص ، ويعلن عنوان القصيدة بوضوح عن هذا المعني بصيغة النسب إلي الوطن ، فالقصيدة بعنوان : مصري ، يقول الشاعر :
شد الرحيل
من هد حيله وفات
هل كل واحد يا وطن علم
م فوق جبينك خطته وسلم ؟
مجهولة ضحكتنا
منزاحة لقمتنا
لمتنا … عشرتنا
أرواحنا كلمة حق مطويه
م فوق رقاب نيلك
تقعد وأنا أحكيلك
وفي الديوان نجد أكثر من صورة للوطن ، ولكنها ـ جميعا ـ تتراوح بين التجسيد والتشخيص ، ومن ثم تضمن لنفسها امتدادا واضحا بوصفها صورة كلية ، بما منح القصيدة وحدة شعورية ودلالية متجانسة .
ومن صورة الوطن إلي جانب الأم ، صورة الوطن المحبوبة ، وهنا يستدعي الشاعر تراث هذه الصورة الشائع ، كما نجده عند شعراء الستينيات مثل الأبنودي ونجيب سرور وغيرهما ، حيث تظهر ( بهية ) كناية عن المحبوبة الوطن المعذب الذي تآمر عليه الأعداء .
ولحسن الحظ أن العلاقة بين الوطن والمواطن تظهر علي هذا النحو من المباشرة في شعر مبارك غير أننا لا يقدم ظهور صورة المواطن المكني عنه بمسميات مختلفة مثل الولد أو الفارس وهي أيضا صور شائعة في ميراث شعر العامية .
أما قصيدة ( آخر دمعة لبهية ) ، التي تشكلت في أفق دلالي يعكس صورة الوطن / المحبوبة ، فهي تستسلم لطابع وصفي ، يكاد يصرح أكثر مما يلمح ، ويكاد يستسلم لخبرة المكتوب في هذه الصورة الشهيرة بين كتاب قصيدة العامية ، ومن ثم تتوحد صورة بهية مع مفردات البيئة الرامزة إلي الوطن بشكل مباشر مستسلم للعلاقات الخارجية المادية
عيونك ضحكة المرمر
لآلي سدرك الساطع
بني فارع
جريد النخل ع الضفة
علي النهر اللي متواعد
حكاوي العشق والقصة
أنا ليكي
كفارس بحملك طية
***