إبداعات

جبر خاطر

بقلم – أميمة الشوادفي:
عاد من المقابر بعد أن دفنت، كان يجر ساقيه هزيلا، توجه إلى البيت وأتخذ من الغرفة التي كان يبيت فيها معها طوال أربعة عشر عاما؛ ملاذا، نام فوق سرير من الطوب، مقرفصا، أغمض عينيه الممتلئتين بالدمع، مرت أمامه ذكرياته، لم يعرف غير صدرها أمان، وغير صوتها دفء، لم يستطع أن يوفي بوعد قطعه وهو في الخامسة من عمره، كانت تجره ممسكة بكفه الرقيق الدقيق وأنفاسها المتلاحقة تزلزل صدرها، صوته الواهن ينادي عليها، وهي تتنقل بين الموائد التي نصبت في صالة دار الايتام تنتقي من ملابس شبه بالية تحاول إيجاد بنطلون وبلوفر يناسبان حجمه الصغير، ناداها :
_ لقيتي حاجة حلوة ليا يا ستي
_ متخافش يا زياد ربنا مش هايميل بختك من كله يابني..
تأوهت بحسرة وهي تنحني عليه ترفعه فوق أحد المقاعد لتلبسه الخرق وتحاول إيهامه بأنها مناسبة، فقال:
_ ابويا كان بيقول هايبعتلي طقم للعيد
_ لا ابوك ولا امك فاكرينك ياابني، ربنا اللي مابينساش حد..
وقعت عينه على دب من الفراء أحد ذراعيه ممزق، أمسكه وقال :
_ نفسي اخده يا ستي
لمحته إحدى المشرفات فاقبلت عليهما أخذت الدب وهي تقول :
_ لكي أربع قطع لو أخدتي الدب يبقالك قطعة، انت لسه مااخدتيش طرحة وجلبية
تحيرت الجدة وقالت
_ سيبيه ياخده، وهاتيله جزمة يابنتي ولا شبشب
قفز زياد على صدرها يحيطها بذراعيه القصيرتين قائلا:
_ ربنا يخليكي ياستي، لما أكبر هاشتغل وأجيبلك طرحة وجلابيه وشبشب
ثم طبع قبلة على خدها وهي تضحك وتطبطب على ظهره، ثم رفعته على كتفها، وأخذت الخرق والدب والحذاء ووضعتهم تحت إبطها وانصرفت..
لم يبلغه الزمن مراده أن يلتحق بعمل ويأتيها بما يعوضها، سبقه بالفضل الذي لا ينفد له عز..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى