إبداعات

مرضى في الذاكره (3)

قصة _ دكتور نجوى محمد الصاوي:

خلال ٢٠ عاما من دراسه وتدريب  وعمل مررت بقصص كثيرة أما  حدثت مع مرضى او سمعتها  من المرضى.

منها مارسخ في الذاكره وثبت اما لكميه الألم والحزن و الطرافه والاستغراب، ومنها ماكان مؤثر للغاية  إلى درجة أنها  أصبحت  لي دروس  مفيده في الحياه .

قصتي هذه أحببت أن اسردها لما فيها  من عبرة
اليوم أثناء خروجي من العياده   وجدت امرأه ضريره تقريبا  في الستين من عمرها مع ابنتها  تنتظر امام احدى العيادات.

فتذكرت أكثر قصة أبكتني وانا في المرحلة التدريبيه (الامتياز)، “ام طارق” كانت  امرأة ضريره في نهاية الخمسينات من عمرها كانت  مريضه و  منومة ويرافقها ابنتها  تدعى “ساره”.

أثناء مروري مع الطبيب المناوب في قسم تنويم الجراحه  لأنها تعاني من غرغرينا في مشط القدم وقد تم تنظيف القدم وازاله الجزء الملتهب.

شد انتباهي بر “سارة” واهتمامها بوالدتها  وطريقة تعاملها معها  بحب ومن قلب  وحرصها على معرفة كيفية العلاج  والمضاعفات  للعلاج  وتسأل عن ادق التفاصيل لمرض والدتها.

اعطيت ساره رقم غرفة الطبيبات  في المستشفى  اذا احتاجت اي سؤال او استفسار  لوالدتها ان تتصل بي لاني كنت مناوبه قلت في نفسي  ربما تخجل من الاتصال بالطبيب المناوب  أثناء الليل.

في  الصباح اتصلت  ساره وأخبرتني انها تريد ان تسالني شيء، ذهبت  غرفة  والدتها بعد أن سلمت الحالات لزميلي.

وكانت “ساره” محرجه وهي تحدثني، قائله: أن لديها اختبار مهم وانها تدرس في الجامعه ولا تستطيع أن تترك والدتها  لوحدها لانها نظرها ضعيف جدا وتريد فقط مرافق لها  لمدة ساعتين  إلى أن تنتهي من اختبارها وتعود حالا.

فقلت لها  سوف اطلب من ممرضه ان تكون معها وان لا تقلق وخلال هذه المده لن يحدث شي  وقد مر الطبيب الاستشاري وطمنها على حالة والدتها.

فرحت “ساره”  كثيرا وتجهزت على ان اجد لها ممرضه وبالفعل أحضرت ممرضه فتطمنت وذهبت إلى الاختبار.

في تلك المده القصيره اتصلت الممرضه علي وقالت ان رئيسة التمريض تريدها ولن تتأخر فقلت لها انا ساكون مع المريضه  وفعلا دخلت عند ام ساره وقلت لها سأكون معك قليلا  ولاتقلقي ولاتخجلي مني اذا اردتي شيء.

شكرتني وابتسمت، قلت لها ابنتك رائعه اتمنى ان تكون حياتها جميله مثل جمال قلبها، ضحكت ودمعت عينها بنفس الوقت مع تنهيده وكأنها سرحت ثم قالت اين ابنتي؟!.

ابنتي التي ولدتها وربيتها وتعبت عليها لم أراها منذ سنتين بعد أن انتقلت الى المنطقه الشرقيه مع زوجها لظروف عمله، حتى اتصال لاتكلف نفسها.

ابنائي الثلاثه  اثنان منهما  يكملان دراستهما العليا   خارج المملكه واكبرهم تزوج ولااراهم الا بالمناسبات.

“سارة” ابنة زوجي من زوجته الثانيه توفت والدتها أثناء النفاس في تسمم دم حاد  واحضرها زوجي لي للعنايه بها.

مايؤلمني ويحرق قلبي اني لم احن عليها  وهي صغيره  كأم ولم احبها وضمير دائما يعذبني، كنت اعاملها بقسوه واضربها.

كنت دائما  احرمها من الالعاب والحلويات كعقاب  لها وهي صغيره جدا، عقاب لان زوجي تزوج علي ولم اعلم الا عندما احضر “سارة” لي كان الحقد يعمي قلبي،  ثم اخذت تبكي  وابكتني معها، بعد ذلك قالت ابنتي بنفس العمر تقريبا.

كنت ادلل ابنتي عندما اصبحت في السنه الثانيه من عمرها واشتري لها الالعاب والحلويات وتنظر ساره  إليها بحسرة  وعندما تقترب من ابنتي تضربها ابنتي وتأخذ اشياءها.

كرهتها كثيرا وكانت مع ذلك حنونه ورقيقه عندما تجدني متعبه  وهي في الخامسه من عمرها  تحضر لي الماء وتلمسني وتحاول تحضنني وانا أدفعها
الى ان جاء ذلك اليوم اللذي قدره الله لكي احن عليها واحبها أكثر من ابنائي.

اذكر يومها  مرضت كثيرا كان الم  في المراره كانت ساره في الثانية عشر  من عمرها  في سن المراهقه  ولكنها كانت عاقله وهادئه كالنسمه جميله كالورده بعكس ابنتي تماما.

وكان ابنائي وقتها بعضهم يلعب بلعبة تسمى “اتاري” والاخر يحضر شريط فيديو العاب، وابنتي مع صديقتها في غرفتها.

زوجي كان مسافر كالعاده لتجارته وكنت اتلوي من الألم وابكي بشده، لم تتركني “ساره” تعتني بي وتمسح على بطني وتقرأ القرآن.

وذهبت لااخواتها الاولاد وكان اكبرهم في بداية الجامعه واصغرهم بأولى ثانوي كي يساعدوني في الاتصال بالاسعاف واسمعهم يقولو لايوجد بها شي ربما اكلت كثيرا كالعادة وحدث لها مغص من كثرة الاكل.

تألمت من ردهم كثيرا وبكيت بينما ذهبت  “ساره” إلى جارتنا واستنجدت بها إلى أن  أخذتني هي وزوجها للمستشفى  والحمد لله تمت العمليه وقمت بالسلامه واذكر الطبيب قال لي لو تأخرتي قليلا لكان وضعك أسوأ.

عندما عدت للمنزل حضنت “ساره” بقوه وبكيت فكانت جدا سعيده لأنها اول مره تشعر بحضن الام  وعوضتها كل ماحرمتها منه من ملبس والعاب وحلويات.

من يومها ساره ابنتي الغاليه

وبعد ان فقدت نظري بسبب مرض السكر  منذ سنتين هي عيناي  التي أرى بهما، واستغفر دائما وادعو ربي ان يغفر لي، لاني اشعر بأن ربي انتقم لها.

بعد أن انهت حديثها كانت “ساره” قد وصلت وقبلت رأس “ام  طارق”  وبدون ان اشعر حضنتها وسالتها عن اختبارها

ابتسمت وقالت الحمد الله يسره وسهله لي كثيرا   لأني أثق به أكثر.

خرجت  وانا امنع دموعي من الهطول  حتى لايلاحظني احد.

سألت عنها بعد فتره علمت ان ساره تزوجت من رجل فاضل ووضعه المادي جيد وانها اخذت ام طارق عندها بعد وفاة ابو طارق   وتقوم بالعناية بها ووضعت لها ممرضه ترعاها لان ساره أصبحت تعمل بوظيفه مرموقه ولها مكانتها بالمجتمع.

وفي النهاية، اختم قصتي هذه بقوله تعالى في سورة الكهف ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)صدق الله العظيم.

ملاحظه القصه واقعيه، الأسماء غير حقيقيه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى