إبداعات

السر

قصة قصيرةبقلم – عايدة ناشد:
هل أخطأت حين تزوجته؟ أم أخطأت حين طلبت الطلاق؟ تزوجته عن حب.. كان أستاذي في الجامعة.. يكبرني بخمسة عشر عاما.. رأيت فيه الحبيب والأب والأخ؛ فأنا فتحت عيني على الحياة يتيمة وطفلة وحيدة لأمي .. التحقت بكلية مرموقة.. كل أملي كان أن أسعد من أفنت حياتها في تربيتي.. منذ اليوم الأول انبهرت بشخصيته، بقوة حضوره، بواسمته التي لاتخفى، عام كامل وهو لا يدري بشعوري نحوه.. ذات ليلة صيفية، رأيته في حفل زفاف لأحد أقربائي.. دق قلبي سريعا.. كدت أطير من الفرحة.. اقتربت منه؛ وقبل أن أمد يدي لأصافحه، رأيت ابتسامة واسعة ترتسم فوق شفتيه.. سارع بمصافحتي.. طوال الحفل كنت بجواره، نتبادل النظرات والابتسامات.. قالت عينانا الكثير ، انتهى الحفل.. اصطحبني بسيارته الفارهة إلى بيتي، تبادلنا أرقام هواتفنا.. اتصل بي في الليلة نفسها بعد ساعة من الزمن.. طال الحديث بيننا حتي طلوع النهار.. تكررت بيننا اللقاءات؛ حتى طلب يدي للزواج.. وافقت فورا، رغم فارق السن الذي كانت ترفضة أمي، لكنها رضخت في النهاية، تحت إصراري، تمنت لي حياة سعيدة..
ثلاث سنوات مرت اليوم علي زواجنا.. كلما شعرت بدوار طرت من السعادة؛ كنت أحلم بتلك اللحظة التي أدخل عليه فيها وأبلغه بالخبر.. أحيانا كنت أتخيل أنني سأفاجئه به وهو في المدرج أمام طلابه، وأشاهده وهو يحملني أمامهم ويدور بي في الهواء من السعادة.. أتخيله يعلن لزملائي الخبر في الميكروفون، والقاعة تضج بالتصفيق والصفير.. حتى الحاقدات والمتأففات سيدعين السعادة ويشاركن في المظاهرة السعيدة..
كل مرة أفيق من حلمي لأسقط على واقع علامة الحمل السلبية.. خشيت أن أكون عاقرا.. في الواقع خشيت أن أفقده.. خشيت أن أصارحه بأنني ذهبت مع أمي إلى عدة أطباء وأجريت الكثير من التحليلات التي أثبتت أنه لا توجد لدي موانع تمنعني من الحمل..
كم رجوت والدتي ألا تفاتحه في الأمر.. هو لن يقبل أي إشارة تمس كبرياء، وهي تحلم أن تكون جدة.. وكثيرا ما قالت له بأنها تريد أن تساعدني في تربية حفيدها قبل أن تضعف صحتها.. دائما ما كان يبدي عدم اهتمام بالأمر، كنت أخشى أن تفلت منها عبارتها التي صارحتني بها أكثر من مرة.. كنت أخشى أن تقول له
– يا ابني أنت بتكبرفي السن ومش حتلحق تربي ابنك؟
تحلت أمي ببعض الحكمة في الإشارة إلى الأمر والتلميح له، ولكنها فاجأتنا الليلة أثناء دعوتها لنا على العشاء.. ففجرت مفاجأة نتائج التحليلات وأشارت عليه بإجراء الفحوصات، فالموضوع طال، والعمر يمر.. كنت أتوقع ثورته وغضبه.. ولكن ما أدهشني أنه كان واثقا من قدرته على الإنجاب.. وبأنه هو من يتعمد عدم الإنجاب.. أما المفاجأة الحقيقية فهي ما صارحني به بعد عودتنا إلى شقتنا.. كان له أخ أصغر معاق، توفي منذ عدة سنوات.. الأطباء أجمعوا أنه مرض وراثي..
بكي بالدموع وهو يحكي لي عن كم المعاناة التي عانى منها أخوه؛ فقد ظل حبيس غرفته طوال عشرين عاما، رافضا الخروج منها ولو إلى دورة المياه.. لم يكن يفيد أي علاج، سوى المهدئات كي لايؤذي نفسه أو يؤذي غيره، ظل هكذا حتى وفاته.
لم أتمالك نفسي من الغضب، كيف أخفى عني قبل الزواج كل ذلك، لم يصارحني بتلك المأساة، وبقراره بعدم الإنجاب مستقبلا.. لكني أتساءل: هل لو كان حتي صارحني من قبل كنت سأرفض الزواج منه!؟ هل تسرعت حين طلبت الطلاق الآن… أنا حقا أحبه..، وهو صاحب كبرياء شديد ، هل سيغفر لي تلك الجملة التي مني أفلتت في لحظة الغضب:
– طلقني.. أنا أيضا لا أريد ابنا من عائلة مجانين.
قد تكون صورة لـ ‏‏‎Aida N. Bassili‎‏‏

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى